طابور طويل يمتد أمامه، ومع ذلك لا تشعر بزحام فالجميع يذهب إلى مسجد «الكوثر» عارفا أنه سيجد ما يريده دون ضجيج ، فالمائدة مفتوحة منذ وقت مبكر، والقائمون عليها يحرصون على مساعدة القادمين إليهم بود، مصحوب بابتسامة دائمة.. في هذا الجامع، انتهج القائمون على مائدة الإفطار التابعة له طريقة مختلفة حيث فضل ناظر المسجد عمر عبدالرحمن بن شيهون أن يقدم الإفطار على طريقة «بوفيه مفتوح»، تقدم فيه عديد من أصناف الطعام الساخنة والباردة، بحيث يحصل كل صائم على مبتغاه، وأن يجلس حيث يريد، كما أنه يستطيع أن يأخذ وجبته ليفطر في أي مكان حسب ظروف عمله. ويشرف بن شيهون على الإفطار بنفسه ويقوم بعملية التوزيع وبجانبه عدد من أبنائه وأقاربه، إضافة إلى عدد من المتطوعين، علما بأن التوزيع يبدأ بعد صلاة العصر مباشرة، وتستغرق قرابة الساعتين، حيث يصطف الناس على شكل طابور طويل، يقوم بتنظيمه أربعة من رجال الأمن لتكون الحركة سهلة، تفاديا لأي إشكالات أو تعطيل. كما يحرص القائمون على الإفطار أن تتمتع وجباتهم بالجودة العالية والنظافة تحقيقا للآية الكريمة: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون». ويقول بن شيهون: «بدأنا هذا المشروع قبل عامين وكانت الفكرة تتمثل في توفير وجبات متكاملة، وفي الوقت نفسه تكون نظيفة وذات جودة عالية، لأن كثيرا من الوجبات التي تخصص للتوزيع الخيري غير متقنة وبعض المحتاجين لا يستسيغون الأكل منها لرداءتها. وتأكيدا لهذا المعنى لجأنا إلى فكرة البوفيه المفتوح التي تمكننا من اختيار الأصناف بكل جودة، والإشراف الكامل عليها». وأوضح بن شيهون أن كثيرا من المطاعم عرضت عليه أسعارا مخفضة لوجباتها، حتى وصل سعر إحداها خمسة ريالات، إلا أنه رفضها جميعا، ويضيف:«أغلب هذه الوجبات تفتقد الإتقان، ففضلنا صنع وجباتنا بأنفسنا، حيث تصل تكلفة الوجبة الواحدة 13 ريالا». ويضيف: «نحن لا نبحث عن الأرخص، إنما يتركز جهدنا على الجودة التي تجعل الصائم يفطر من أفضل شيء عندك». ويتابع بن شيهون: « بدأنا هذا المشروع في أول عام ب 300 وجبة في اليوم، وقفزت في نفس العام إلى 700 وجبة، وفي هذا العام وصل العدد إلى 1200 وجبة يومية، ويؤكد بن شيهون أن العدد في ازدياد يومي وهذا ما يؤكد رضا الناس عن الإفطار الذي نقدمه، حيث يحرص كثير من الصائمين على الصلاة في المسجد نفسه لحجز مكان في الطابور والحصول على الوجبة». وتتنوع أصناف الأكل بين أكلات ساخنة وباردة والحلويات، فالقسم الساخن يشمل الأرز والدجاج والسمبوسة، والقسم البارد العصير واللبن والماء. أما الحلويات فتشمل علبة كاراميل والطرمبة والتمر، ولم يغفل هذا الإفطار كأس الشاي التي غالبا ما يشربها الصائم بعد فطره. ويتركز اهتمام القائمين على الجنسيات المستحقة التي ليس لديها عوائل، وبالذات من ذوي الرواتب المنخفضة جدا مثل البنجلاديشيين، الباكستانيين، الهنود، الإندونيسيين، الفلبينيين، ومن الجنسيات العربية مثل: اليمنيين، المصريين، السودانيين. ويشير الناظر عمر إلى أن الإفطار مفتوح للجميع، وهناك قسم للنساء لكن ليس رسميا، حيث يوزع لهن تقريبا 30 وجبة في اليوم. وأوضح بن شيهون أن الإفطار داخل المسجد فكرة غير صائبة، ويقول: « لا نفضل أن يكون الإفطار في باحة المسجد، فالأوساخ تكثر في مثل هذه الحالات، كما أن البعض قد لا يكمل وجبته فيأكل منها جزءا ويرمي الجزء الآخر»، مضيفا: « في أول عامين لم يكن التنظيم كما هو اليوم، حيث كنا نواجه مشكلات عديدة بين الصائمين بسبب الحصول على الوجبة، إلا أننا في هذا العام وضعنا حواجز لتسهيل حركة السير، كما وفرنا أربعة من رجال الأمن لتنظيم العملية أكثر وهؤلاء فقط يداومون في رمضان خصيصا لهذا الأمر». من جانب آخر، أثنى كامل حسين ، مصري الجنسية، على الجهد الذي يقدمه مسجد الكوثر في إفطار الصائمين، وقال: «الإفطار كامل ولا ينقصه شيء أبدا، ويختلف اختلافا كليا عن باقي مشاريع الإفطار، لما يتميز به من النظافة والجودة العالية التي تتمثل في الإشراف الكامل على العمل من قبل صاحب المسجد». وأشار محمد حسين، يمني الجنسية، إنه للمرة الأولى يفطر في هذا المسجد، موضحا أن الإفطار بهذا الشكل أفضل بكثير من إفطارات المساجد الأخرى، فالإفطار تتنوع فيه الجنسيات من جميع الدول فبعضهم طريقة أكله لا تعجب من بجواره، كما أن الإهمال والوساخة تكون سيدة الموقف، فطريقة البوفيه المفتوح والإفطار خارج المسجد هي الحل الأمثل لمثل هذه الإفطارات. ويقول أحمد أكبر، هندي الجنسية، إنه يعمل في المملكة منذ قرابة خمسة أعوام، ويسكن مع أصحابه في عزبة مستقلة، وظروف العمل لا تسمح لهم بالطبخ وإعداد الطعام ولا يستطيع الجلوس وانتظار الإفطار في المسجد ، مشيرا إلى أن جميع أصدقائه يحضرون لأخذ وجباتهم من المسجد بشكل يومي وكل يفطر حسب ظروف عمله .