يصعب على أبرع الخبراء التكهن بنتيجة الانتخابات (الهندية) أو توقعها. ولكن ثمة حقائق في وسع المراقب الوقوف عندها. وقد تبرز الانتخابات الجارية اتجاهاً لاحت ملامحه في عالم السياسة الهندية قبل خمسة أعوام. والناخبون يميلون الى مكافأة الحكومة على أدائها الجيد. ففي الاعوام الخمسة الماضية، تراجع سوء الإدارة من نحو 70 في المئة، إلى 46. وقد يعاد انتخاب حكومة أهملت واجباتها بسبب تمثيلها طائفة ما، أو طبقة إجتماعية، أو خطاً أيديولوجياً. وأغلب الظن أن يجني قادة برعوا في ادارة الشؤون الحكومية ثمار اعمالهم، وأن يقترع الناخبون لهم. ولن يفلح خصوم هؤلاء الساسة في تجاوزهم في السباق الانتخابي أو مجاراتهم فيه. ويواجه راجاسيكر ريدي حركة معارضة يسارية تتهمه بالفساد. ولكنه قد يفوز في صناديق الاقتراع مكافأة له على تقديم حكومته خدمات في المدن والقرى. ومن المتوقع أن يقتص الناخبون من اليسار، في ولايتي غرب البنغال وكيرالا. ويبدو أن كبير وزراء إحدى المقاطعتين عاجز عن مزاولة أصول الحكم، في القرن الواحد والعشرين. وفي الولاية الثانية، وجهت تناقضات اليسار الأيديولوجية ضربة قاضية الى أفضل رؤساء حكومات الهند. وفي كلتا الولايتين، شُنت حملة على أداء الحكومتين. ففي كيرالا، يندد باضطراب ايديولوجيا اليسار. وفي ولاية البنغال الغربية، يسعى المعارضون الى الفوز بأصوات تخولهم اطاحة مامتا بانرجي من السلطة. ودورة الانتخابات هذه ليست دورة حملات سلبية. وحريّ بسيخ البنجاب ادراك ذلك. ففي البنجاب، حكومة كسولة طراز الحكم فيها قديم وبائت. وهي أفلحت في تبديد موارد الولاية. وقد تنجح محاولة بعث المشاعر القومية والطائفية التي أدت الى التمرد في 1984، فتعود الحكومة الحالية الى السلطة. وفي ولاية ماهاراشترا، وهي ثاني أكبر ولاية هندية قياساً على عدد مقاعدها في البرلمان، افتقر أداء «حزب المؤتمر» الى الكفاءة، على خلاف التوقعات. ولا شك في أن نسبة المقترعين تمتحن المرشحين والحكومة الحالية. وفي وسعنا الجزم بأن طبيعة التحالفات السياسية لن يحكمها مبدأ من يمكنه أن يتحالف مع من، ولكن من لا يمكنه التحالف مع من. فحزب «بهاراتيا جاناتا» ونظيره «التجمع الوطني الديموقراطي» سيحصلان وحركة «شيف سينا» وكتلة القومية السيخ على ما لا يقل عن 150 مقعداً. وهؤلاء لا يسعهم الانضمام الى ائتلاف على رأسه حزب «المؤتمر» أو جهة ثالثة علمانية. ولن تتحالف أحزاب اليسار و «الرابطة الاسلامية»، وهي تحتاج إلى أصوات المسلمين في الانتخابات لمواجهة علمانية عدوانية، مع «التجمع الوطني الديموقراطي». وغياب مثل هذا التحالف يخرج نحو 250 نائباً آخر من المعادلة. فتدور المنافسة النهائية بين 150 نائباً. ولكن ما السبيل الى الخروج من هذا التعقيد؟ الحق أن قدرة نحو خمسين نائباً على المناورة محدودة. وقد يواجه شاراد باوار، قائد «حزب المؤتمر الوطني»، وقائد «ماتا بانيرجي ترينامول نايدو» TDP معوقات تحول دون ابرام تحالف مع حزب «بهاراتيا جاناتا». ولكن هذه المعوقات قد تذلل، على خلاف تلك التي يتعثر بها قادة من غرب البنغال والتاميل والأوتار براديش في التحالف مع «حزب المؤتمر». فهو أبرز منافسيهم في ولاياتهم. ويقيد هذا مرونة عمل مجموعة المئة وخمسين نائباً، وهي بيضة القبان. وقد يكون مفتاح هذه المعضلة في يد مئة نائب يملكون هامش حركة في الاتجاهين. وإذا قرر اليسار دعم «حزب المؤتمر»، عدل عن تأييد ماتا بانيرجي. ولن تفلح جبهة الخيار الثالث في الحصول على عدد كاف من تأييد البرلمانيين الذين يرفضون التعايش مع اليسار. ولا شك في أن قادة مثل رامادوس، باسوان، كومراسوامي واجيت سينغ سيحصلون على مقاعد في مجلس الوزراء، أياً كان التحالف الذي يمسك السلطة. فالقادة المحظوظون هؤلاء هم أعلام ظاهرة الايديولوجيا المتقلبة. * رئيس تحرير صحيفة «انديان ايكسبريس» الهندية، 18/4/2009، اعداد جمال اسماعيل