تولت المنابر الدينية وأشرطة الكاسيت الإسلامي إبان الصحوة الإسلامية إلهاب العواطف وبعث الهمم من رقادها، إضافة إلى أنها كانت اللاعب المحوري في تحريك الساحة الإسلامية بشقيها الفكري والحركي لكنها عادت القهقرى في التأثير لتأتي البرامج الدينية للإفتاء والحوار، لتكمل المسيرة وتهيمن على المشهد الديني المحلي. بنظرة فاحصة إلى البرامج الدينية التي حركت المياه أو ربما أحدثت لغطاً في الساحة الدينية العام الماضي، نجد أن برنامج «الحياة كلمة» وما يقدمه من رؤى تجديدية، لم يثر حفيظة الناس عموماً، بل جعل المختصين في الأمور الشرعية في نقاش دائم حول ما يثيره من أفكار قد تبدو خارجة عن السائد الشرعي المحلي. وعلى رغم أن العودة هو العالم الأكثر حضوراً في القنوات، إذ يطل بشكل أسبوعي عبر شاشة MBC وفي شهر رمضان يومياً، إلا أن الناس لا تمل من طرحه، واستطاع أن يحافظ على الجماهيرية المليونية التي تتابعه، حتى باتت القنوات تتحاشى بث برامجها المهمة في وقت يبث فيه برنامج العودة. وهذا ما يبدو واضحاً في برنامجي «إضاءات» و«البيان التالي». ومع أن الأفكار التي قدمها الداعية السعودي شهدت تقارباً في إطارها الفكري العام وبينها قواسم مشتركة عامة، إلا أنه أعلن مرات عدة أن لديه لجنة تتابع حديثه حتى لا يكرره مستقبلاً. نجومية العودة الدينية الطاغية انعكست أيضاً على قناته الوليدة «دليل» التي سحبت البساط جزئياً من أختها الفكرية «المجد»، وهي نجومية استفاد منها أكثر برنامج «البيان التالي» الوليد على الساحة، الذي استطاع أن يحيط نفسه بالأضواء عبر استضافة مقدمه الزميل عبد العزيز قاسم المشاغبين في الساحة الالكترونية، فاستضاف أشخاصاً لم يجدوا ترحيباً في القنوات الأخرى، على رغم لغطهم الكبير، مثل سليمان الدويش. «الجواب الكافي» البرنامج الذي سبب مرات عدة الحرج لعلماء المملكة بوضعهم على خط النار مجابهين أسئلة الجماهير التي تحوي بداخل بعضها قنابل مفخخة، هذا البرنامج أيضاً كان من البرامج الدينية الأكثر تأثيراً في العام الماضي على الساحة الدينية التقليدية. على طاولة البرنامج أثار رئيس القضاء الأعلى سابقاً جدلاً حول محاكمة ملاك القنوات الفضائية، وبعد عام من اللغط أشعل ذات البرنامج جدلاً حول قضية الاختلاط. من جانبه، أكد مقدم برنامج «جواب الكافي» محمد المقرن أن البرامج الدينية في القنوات أصبحت اللاعب الأساسي في الساحة، معتبراً أنها فاقت المنابر والأشرطة في التأثير والجماهيرية، إذ يصل إلى ملايين الناس وهم مرتاحون من دون مشقة الذهاب إلى المساجد وليس هذا حكراً على القنوات الفضائية حتى إن مواقع الانترنت تقوم بدور كبير في التأثير. وكشف في حديث إلى «الحياة» أن «هناك أمور نحن لا نقتنع بها، لكننا ملزمون بالسكوت عنها، وهو ما يقوم به إعلامنا الحالي، إذ يصعب طرح كل شيء». ونفى حديث من يقول ان برامج الإفتاء تستجدي المتصلين، وأي قناة تقدم برامج إفتاء ستشهد زحمة في الاتصال، مشيراً إلى أن «الجواب الكافي» له سبع سنين في الساحة مثبتاً أقدميته وأهميته على مستوى برامج الإفتاء. لكنه أوضح رفضه عرض السؤال كما هو، إذ يصبغ الأسئلة بطلائه لكن من دون تحوير للفكرة، لافتاً إلى أنه يسعى لتخفيف التشدد أو فتح نوافذ للمفتي حتى يكون رأيه واسعاً. ورفض التضييق على الناس بآراء شاذة أو غريبة، وطالب بعدم التحجير وعدم تقديس المفتين. وحول اتهام البعض له بدوره في صياغة الفتوى وتقويل العلماء قال: «المفتي الذي يؤثر عليه المقدم ليس بمفتٍ». وأكد أن برامج الإفتاء لها جماهيرية عالية، والناس في حاجتها ويكذب من يقول إن الناس لا تريدها، رافضاً تهميش الإعلاميين لها وتضجرهم منها، متسائلاً عن عدد برامج الإفتاء في القنوات «لو قمنا بإحصاء لبرامج الإفتاء لوجدناها قليلة مقارنة بالبرامج الأخرى». لكن برامج أخرى ذات نهج فكري طغت بحضورها على المشهد الديني المحلي، بوصفها تطرح قضايا تهم شرائح نخبوية، تملك تأثيراً لا ينكر، مثل برنامجي «إضاءات»، و«صناعة الموت»، وغيرهما. إلا أن المحصّلة هي استمرار البرامج الدينية والفكرية في القنوات كافة، في سيادة المشهد الديني المحلي، بعد أن كان يهيمن «الكاسيت» و«المنبر»، وأحياناً مواقع إلكترونية، بدأ نجمها في الأفول.