دعت زعيمة المعارضة الإسرائيلية رئيسة حزب «كديما» تسيبي ليفني الحكومة الإسرائيلية إلى التفاوض الجدي مع ممثلي الحركة الوطنية الفلسطينية (السلطة الفلسطينية) من أجل تحقيق حل الدولتين القوميتين للشعبين «لئلا تجد إسرائيل نفسها أمام دولة ثنائية القومية تفتقد الغالبية اليهودية». وقالت إن بالإمكان استئناف المفاوضات التي أجرتها حتى قبل عام كوزيرة للخارجية مع المفاوض الفلسطيني أحمد قريع (أبو علاء) من حيث توقفت، ملمحة إلى أن المفاوضات قطعت شوطاً طويلاً من التفاهمات. وكررت في كلمة ألقتها في المؤتمر السنوي ل «مركز بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب» أمس تحت عنوان «الرؤية الدولية في مواجهة الواقع الإقليمي» أن «الرؤية الصحيحة لدولة إسرائيل يجب أن تقوم على أساس دولة يهودية ديموقراطية... دولة تكون الغالبية فيها يهودية، هذه هي الرؤية الصهيونية الأساسية التي يجب حسمها». وقالت إنه في حال عدم توافر الغالبية اليهودية «ومهما بلغت مساحة الدولة سيبدأ صدام بين قيم هذه الدولة، وعليه فإن الصراع على وجود إسرائيل ليس فقط صراعاً على وجودها المادي الذي يواجهه الجيش الإسرائيلي يومياً، إنما صراعاً على وجودنا كبيت قومي للشعب اليهودي... هذه الفكرة الصهيونية الأساسية التي يجب أن تنير دربنا... من أجل تحقيق ذلك، علينا ان نحسم أمراً واحداً، وهو أن إسرائيل يجب أن تكون دولة يهودية ديموقراطية في أرض إسرائيل، لكن ليس في كل أرض إسرائيل لأنه إذا اخترنا الرؤية الأخرى التي ترى أن اليهود يجب أن يقيموا في كل أرض إسرائيل، فإن النتيجة ستكون أننا سنخسر وجود إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية، وهذا برأيي لا يمكننا أن نسمح به». وأضافت أن تحقيق هذه الرؤية تتطلب أيضاً مواجهة واقع ليس سهلاً في المنطقة «إزاء تعاظم نفوذ الجهات المتطرفة التي تغذي بعضها دول مثل ايران التي لا يوجد أي شأن لها في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وحتى إن توصلنا إلى التسوية، فإن ايران لن تغير أيديولوجيتها». وتابعت: «نرى اليوم تيارين داخل الفلسطينيين، الأول تقوده حماس كحركة دينية متطرفة لا تمثل المصالح الفلسطينية الوطنية في إقامة الدولة إنما تعمل على فرض أيديولوجيتها في المنطقة، ومن الطرف الآخر الحركة الوطنية الفلسطينية التي تقوم أيديولوجيتها على حل الدولتين». وحذرت من أنّ كلما اتجه الصراع إلى صراع ديني، سيكون صعباً حله، «الوقت ليس في مصلحتنا. غياب التحرك ومواصلة الجمود وعدم استعدادنا لاتخاذ القرارات الحاسمة ومصارحة الجمهور في إسرائيل، وانتظار شريك ناجع وقوي ستكلفنا ثمناً باهظاً أكثر من ثمن التسوية الذي هو ثمن باهظ بحد ذاته». وتابعت أن نصف الكأس الملآن يتمثل في إمكان تحالف إسرائيل «مع المعسكر البراغماتي العربي الذي يدرك ان إسرائيل ليست هي التهديد في المنطقة، إنما ايران. وهذه فرصة يمكن أن نستغلها». وأردفت ليفني أنها تدرك «القدرة المحدودة والضعيفة للمجموعة التي تمثل المصلحة الوطنية الفلسطينية (حركة فتح) التي ما زالت بحاجة إلى مساعدة قوات الأمن الإسرائيلية لمحاربة الإرهاب، لكنها ترغب في التوصل إلى حل معنا وهي غير قادرة على تحقيقه، لكن هناك في المقابل في غزة حماس القادرة على التوصل لحل الصراع، لكنها ترفض ذلك. علينا مواجهة هذا الواقع من خلال انتهاج سياسة مختلفة تماماً تجاه هذين الطرفين المختلفين سياسياً وجغرافياً». وأضافت أن «حماس» برفضها الاعتراف بإسرائيل ونبذ الإرهاب ليست شريكة للحوار «وفي هذا الموقف يؤيدنا العالم، يؤيدنا ويرفض منحها الشرعية، لذلك فإن الطريق الوحيد في التعامل معها على خلفية تبنيها أيديولوجية ليست قابلة للحل هي عبر قوة الذراع، لذلك كانت عمليتنا العسكرية في قطاع غزة (قبل عام) ضرورية وحققت أهدافها وفي مقدمها إعادة قدرة الردع لإسرائيل... لم نقم بالعملية من أجل التوصل إلى تسوية مع حماس إنما لمحاربة الإرهاب». واستطردت قائلة: «لكن لا يمكن أن نكتفي بمحاربة الإرهاب... علينا في المقابل، ومن منطلق الحفاظ على مصالحنا الأساسية، التوصل إلى تفاهمات مع الطرف الآخر، ليس مجرد إدارة مفاوضات إنما التوصل إلى اتفاق مع الحركة الوطنية الفلسطينية حول إنهاء الصراع... هذان شقان للمعادلة ذاتها... لا يمكن التعاطي مع شق واحد فقط دون الآخر. لا يمكن أن نضرب حماس ولا نفعل شيئاً مع الجانب الفلسطيني الآخر، الحركة الوطنية». وحذرت ليفني من أن يقود استمرار الجمود إلى حل يقوم على دولة ثنائية القومية قد يقبل به العالم أو يفرضه، وقالت: «علينا أن نتحرك من أجل منع دولة واحدة ثنائية القومية يكون فيها حق التصويت للجميع... ثمة من لا يستوعب الثمن الذي يمكن أن ندفعه في غياب التسوية... الهدوء السائد مضلل وعدم اتخاذ قرارات حقيقية هو الخيار الأسوأ لإسرائيل... لا أتحدث عن لعبة إجراء مفاوضات من أجل كسب الوقت لنقول بعدها أن لا شريك فلسطينياً... ليس حكيماً أن نطرح على الطرف الآخر شروطاً صعب عليها قبولها ثم نقول إنه رفضها ونحمّله مسؤولية إفشال المفاوضات. في المقابل، يتوجب على العالم العربي أن يدعم الطرف الفلسطيني في اتخاذ قرارات صعبة». وعادت ليفني إلى المفاوضات التي أجرتها العام الماضي كوزيرة للخارجية مع قريع، وقالت: «أدرنا مفاوضات لم تثمر اتفاقاً لكنها لم تمُت... يمكن العودة إلى المفاوضات حيث توقفت بيني وبين أبو علاء... لا يوجد هناك ما لا يمكن زعيم إسرائيلي التوقيع عليه ... لم نتنازل عن أي مصلحة إسرائيلية. لكن من يؤمن بأرض إسرائيل الكاملة يفضل أن لا يدخل المفاوضات ليقول بعدها إنه لا يوجد شريك... عندما أجرينا المفاوضات دعمَنا العالم من دون أن يتدخل في فرض مضمونها». ليفني: اراضي المستوطنات لن تبادل بأراضي القدس واستعرضت ليفني ملامح الحل كما تراه، لكن كان لافتاً عدم تطرقها إلى قضية القدس، وقالت إن الحل الذي تتطلع إليه لا يقوم على حلول مرحلية أو اتفاق مبادئ، إنما اتفاق تفصيلي يوفر الحل لجميع القضايا المفتوحة... يجب أن يوفر الحل رداً على الواقع الناشئ في السنوات الأربعين الأخيرة (منذ الاحتلال)... واقع ميداني يقول، برأي غالبية الإسرائيليين، ان الكتل الاستيطانية الكبرى التي تحتل مساحة ضئيلة من مساحة الضفة الغربية يجب أن تكون ضمن حدود إسرائيل عند رسمها... رفضتُ أن تكون المساومة على النسبة المئوية. قلت للفلسطينيين إننا لن نعوضهم عن أراضي الكتل بأراض في القدس... هذه مصلحتنا القومية أن نحافظ في التسوية الدائمة على التجمعات الإسرائيلية، لكن علينا أن نميز بينها وبين مستوطنات معزولة (أي تلك المقامة في قلب البلدات الفلسطينية شرق الجدار الفاصل) وهنا يجب أن نحسم... أما الترتيبات الأمنية، فيمكن أن نجند العالم وعلى رأسه الولاياتالمتحدة، لأن العالم يرفض إقامة دولة إرهاب أو إسلامية متطرفة». وتابعت أن المبدأ الأهم في الحل هو «دولتان قوميتان»: «إسرائيل، أقيمت كبيت قومي للشعب اليهودي ووفرت الحل للمهاجرين الذين اضطروا الى مغادرة اوروبا بعد المحرقة وإلى مغادرة الدول العربية، هي الحل القومي الوحيد لليهود في إسرائيل وأرجاء العالم... هكذا تكون الدولة الفلسطينية، الحل الكامل والتام للفلسطينيين في كل مكان، في الضفة وفي غزة وفي مخيمات اللاجئين في الدول العربية (رفض عودة اللاجئين إلى ديارهم في حدود عام 1948)... وتكون الحل القومي لا الشخصي لمواطني إسرائيل العرب وهم مواطنون متساوو الحقوق في دولة إسرائيل الديموقراطية، لكن من دون أن تكون لهم مطالب قومية مستقبلية في إطار حل الدولتين داخل دولة إسرائيل. هذه هي المعادلة ويمكن تجنيد العالم لدعمها». وأضافت أن في حال التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين في شأن البنود الواردة «سيتم إرجاء التطبيق إلى ما بعد إيجاد حل لقطاع غزة». وأكدت أن «التسوية المقدمة لا تقدم حلاً لمشكلة غزة، لذلك كانت الفكرة أن نتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، لكن التطبيق يتم بعد تغيير الواقع، إذ لا يمكننا ان نعطي مفاتيح لدولة مستقبلية لحماس، وعليه اتفقنا مع الفلسطينيين أن تكون إقامة الدولة الفلسطينية فقط بعد تغيير الواقع وبعد أن تقبل الحكومة الفلسطينية بشروط الرباعية الدولية في مقدمها محاربة الإرهاب... هذا واضح للفلسطينيين. وأشارت إلى الفائدة التي تجنيها إسرائيل من التوصل إلى حل حتى مع إرجاء تطبيقه، «إذ سيرسم حدود إسرائيل ويوضح الكتل الاستيطانية وشروط إقامة الدولة الفلسطينية». وأضافت: «يمكن أن نبدأ بالعملية، يمكن أن نبقي الجيش ونخلي بعض المستوطنات، وعندها نتحرك نحو الاتجاه الذي تم تحديده في الاتفاق... وأنا واثقة انه في حال توصلنا إلى اتفاق سيكون في مقدور كل من زعماء الشعبين أن يقول لشعبه: في الخيار بين الخيارات المتاحة، نقول اننا اخترنا الرؤية الصهيونية الجديد في مقابل أثمان باهظة، لكن في مقابل ترتيبات أمنية وإنهاء الصراع، فيما تقول القيادة الفلسطينية لشعبها، وبدعم زعماء عرب، إن الحل لا يحقق طموحنا مئة في المئة، لكنه الطريق الوحيد أمامنا لتحقيق رؤيتنا القومية».