سان بطرسبورغ «حزينة»... قال أحد قياديي حزب «يابلوكو» الديموقراطي الليبرالي الروسي. فالمدينة التي تعدّ العاصمة التاريخية والثقافية للروس، واكتسبت لقباً جديداً في الحرب العالمية باعتبارها «المدينة البطلة» التي عانت حصاراً استمر ألف يوم قبل أن تنتصر على جيش أدولف هتلر، تحوّلت إلى مركز لحشد الأحزاب القوميّة المتشددة في روسيا وأوروبا. هذه من مقالب السياسة. فالصراع على أوكرانيا بين روسيا والغرب، والحصار الاقتصادي والعقوبات دفعت الروس إلى البحث عن حلفاء «غير تقليديين»، برز بينهم أشد المتشدّدين، والذين يرفعون شعارات الفاشية في أوروبا. في عاصمة الشمال الروسي، عُقِد أخيراً مؤتمر لفَتَ الأنظار لجهة المنظمين والمدعوين. فهو جَمَعَ بدعوة من حزب «رودينا» (الوطن) الروسي الذي أسسه قبل سنوات نائب رئيس الوزراء، المسؤول عن المجمع الصناعي العسكري، ديمتري رغوزين، خليطاً من الأحزاب القومية المعتدلة الممثلة في البرلمان الأوروبي ومجموعة من الأحزاب والتكتّلات المتطرفة، مثل الحزب القومي في ألمانيا و «القوة الجديدة» في إيطاليا و «العرق الذهبي» في اليونان والحزب القومي البريطاني و «حزب السويديين» و «رابطة لومباردي» الإيطالية وحركة «أتاكا» (الهجوم) البلغارية و «حزب الدنماركيين» وغيرها. أما ضيف الشرف فكان أودو فويت العضو البارز في حزب النازيين الجدد في ألمانيا، والذي يعلن أنه يمثّل امتداداً سياسياً وروحياً لتراث الزعيم النازي هتلر. ما جمع الحاضرين، إضافة إلى الشعارات القومية المتشابهة، هو العداء لأميركا وتحميل واشنطن مسؤولية كل مصائب العالم. والهدف الرسمي المعلن للمؤتمر كان «التوصل إلى ميثاق مشترك للتعاون بين الأحزاب القومية والمحافِظة في أوروبا وروسيا، في مواجهة الحصار المفروض على روسيا». وفي مواجهة الحدث، بَعثت أحزاب وشخصيات روسية برسائل إلى حاكم بطرسبورغ، اعتبرت فيها أن «من المعيب أن يجتمع هؤلاء في المدينة التي عانت أهوال الفاشيين، بينما تحضّر روسيا لأوسع احتفالات بعد أسابيع لمناسبة النصر على النازية». لكن جهود المعترضين على المؤتمر أخفقت، مثلما لم تنجح مجموعات صغيرة نظّمت احتجاجات أثناء انعقاده في لفت انتباه الرأي العام، خصوصاً أن نشاطها قوبل بتحرُّك حازم لأجهزة الشرطة، بحجّة عدم الحصول على ترخيص مسبق للاحتجاج. لكنّ الأسوأ في رأي معارضي المؤتمر أنه جاء في وقت ترفع روسيا شعارات ضد «الفاشية الجديدة» في أوكرانيا، وعلى خلفية صراع قوي كانت مواجهة «النازيين الذين وصلوا إلى السلطة بانقلاب على الرئيس الشرعي» في كييف، أحد أبرز أعمدته. صحافي غربي سأل مسؤولاً روسياً بارزاً «كيف تُعلنون أنكم تحاربون فاشيين في أوكرانيا وتستقبلون مؤتمراً لفاشيي أوروبا»؟ فأجاب بما مفاده «لماذا تحرِّمون علينا ما تحلّلونه لأنفسكم»؟ في إشارة إلى اتهامات روسية للغرب بدعم القوى المتشددة في أوكرانيا التي تجاهر بعدائها للروس. وبين المنطقَيْن، تبرز وجهات نظر ترى في الفاعليات المماثلة محاولة لتحقيق أرباح، عبر توظيف شعار «استخدام كل الأسلحة والوسائل في المواجهة» بين روسيا والغرب، وبعد تحقيق الهدف «لكل حادث حديث». ويقول بوريس كاغارليتسكي مدير معهد العولمة والحركة الاجتماعية في موسكو: «أي نشاط عندنا يأتي وفق مبدأ المشروع القصير الأجل، وبرزت الآن الحاجة إلى توظيف الجهود الممكنة بهذه الطريقة في مواجهة التحديات الظاهرة، وثمة جهات في هذا الوضع ستستفيد من الموازنات المخصصة لمثل هذه النشاطات».