يبدو أن الاستقرار الذي تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي بين الأسباب التي غيبت الصحافي العسكري في تلك الدول، ما جعل الانتقادات تطاول الحضور الصحافي للمؤتمر اليومي للمتحدث الرسمي لعملية عاصفة الحزم العميد ركن أحمد عسيري. وواجهت الأسئلة اليومية لوماً ونقداً من جانب عدد كبير من الكتاب الصحافيين في مواقع التواصل الاجتماعي، ومسؤول في وزارة الثقافة والإعلام، ما يؤكد غياب الصحافي العسكري في السعودية ودول الخليج. ولم يخف المتحدث الرسمي باسم وزارة الثقافة والإعلام الدكتور سعود كاتب نقده لضعف الأسئلة الموجهة للمتحدث العسكري لعملية عاصفة الحزم بقوله: «أتمنى أن يكون رؤساء تحرير صحفنا يتابعون مؤتمر المتحدث باسم عاصفة الحزم. قطعاً لن يكونوا سعداء بنوعية عدد كبير من أسئلة صحافييهم المطروحة». وتقول الأكاديمية والكاتبة الصحافية سهام الطويري ل«الحياة»: «الأسئلة الصحافية الموجهة للمتحدث باسم قوات التحالف لا تمتلك الذكاء الكافي للحصول على إجابات تتعلق بتعزيز قيم الوطنية وأهمية الأمن والحفاظ على مكتسبات الوطن»، لافتةً إلى أن الغالبية العظمى من الأسئلة الصحافية الموجهة للمتحدث العسكري باسم قوات التحالف عامة وإجاباتها يخمنها المشاهد قبل أن يجاوب عنها المتحدث، وعدد منها مكرر، ما يستنزف الوقت والجهد على المتحدث في الرد عليها. وتضيف: «المشاهد أصبح على درجة واعية من النقد الفكري لما يطرح عليه إعلامياً، ويبحث عن أسئلة استشرافية للاستراتيجيات العسكرية التي يود سماعها للمرة الأولى، حتى تثير اهتمامه وتغرس في نفسه زهو الإعجاب بالجديد»، مشيرةً إلى أن نوعية الأسئلة المطروحة من الصحافيين لا تضاهي رونق عاصفة الحزم من ناحية ذكائها ووقتها وهيبتها على الصعيد الدولي. وتقترح على المؤسسات الصحافية في حال رغبتها في تقديم مادة صحافية عسكرية تجذب القارئ والمشاهد، الاستعانة بالصحافيين العسكريين ومحرري الصحف الصادرة عن وزارة الدفاع أو رئاسة الأركان لغرض طلب المشورة بالخروج بمواد صحافية عسكرية راقية، والاستعانة بمحللين عسكريين وخبراء سابقين من قيادة الجيش وممارسين في الصحافة والإعلام السياسي لطرح أسئلة أكثر دقة في الصياغة، فالإجابات ستتحول يوماً ما إلى مادة وثائقية يمكن الاستفادة منها، ومراجعة الأسئلة من التحرير في الصحف بما من شأنه أن تكون متضافرة مع الجهود العسكرية لقوات التحالف في تحقيقها لتهيئة المشاهدين لقبول التطورات السريعة في المجال العسكري. وتتابع الطويري: «الصحافة العسكرية بمفهومها المهني كصحافة متخصصة تكاد تكون معدومة في بلادنا، لسبب أن الدولة ليست على عهد بالحروب والنزاعات لاستقرار كيانها وقوتها وأهميتها على المستويين الإقليمي والدولي، كما أنها دولة محايدة لا تعمل على شغل العامة بأخبار الحروب حول العالم ولا تخصص الصحافة المحلية جزءاً من صفحاتها يهتم بالشؤون العسكرية للنزاعات والحروب حول العالم». وبالعودة إلى وقائع المؤتمر الصحافي اليومي للعملية، فإن نظرات العميد ركن أحمد عسيري حينما يستمع لأسئلة الصحافيين تحمل عتباً وحزناً على غياب الصحافي العسكري في بلاده، الذي يطرح سؤالاً مثيراً ومليئاً بالخبرة العسكرية، لإيصال التفاصيل الحربية للمشاهد بسرعة ومن دون بحث العناء عنها في وسائل إعلامية معادية لبلاده. ويؤكد مستشار الاتصال والكاتب الصحافي أمجد المنيف أنه لا يوجد في المملكة «إعلام متخصص» احترافي، على مستوى التخصصات العسكرية والأمنية والاقتصادية والصحية، مضيفاً: «المشكلة الرئيسة في «خلفيات» الصحافيين، كون معظمهم جاءوا من أرضية بعيدة عن المشهد برمته، وبثقافة شخصية ضحلة لا تعي الفرق بين أمور بدائية، وهو الأمر الذي أنتج ضعفاً في الأداء». ويشير إلى تهاون المؤسسات الإعلامية في تدريب وتأهيل المنتمين لها، «وليس غريباً أن تجد صحافياً يعمل لعقود من دون أن ينخرط في دورة تدريبية، خصوصاً مع التنامي والتطور في الصناعة الإعلامية، والتي تحتاج «الصحافي الشامل»، ابن الميدان والمكتب في آن، لذلك يفتقر عدد كبير من العاملين في المجال لأبجديات التعامل مع الأزمات». ويرى أن الحل يكمن في تبني الدولة لمشروع حكومي، يهدف إلى تطوير الصناعة الإعلامية، بعدما فشلت مؤسسات القطاع الخاص في هذه المهمة، والاستفادة من الموارد البشرية - المبتعثين - بشكل كامل وحقيقي.