يدور نقاش في بيروت وعدد من عواصم العالم حول التحديات التي تواجه لبنان لمناسبة دخوله عضواً غير دائم في مجلس الأمن بدءاً من مطلع العام المقبل، ولمدة سنتين. وإذا كان هذا النقاش يدور في بيروت نتيجة حرص أوساط عدة على ضمان اضطلاع لبنان بدوره في التعامل مع عدد لا يحصى من القضايا والملفات الدولية، والأزمات العالمية والإقليمية التي تتطلب قدراً من الاختصاص والاطلاع، فإنه نقاش ينطلق أيضاً نتيجة قلق بعض الأوساط اللبنانية من تبعات هذه المهمة في السياسة الخارجية اللبنانية على الوضع الداخلي، حين يتعلق الأمر بقضايا حساسة وعلى علاقات لبنان الإقليمية، لا سيما مع سورية وإيران. فضلاً عن علاقاته مع دول الغرب النافذة وفي طليعتها أميركا وفرنسا وغيرهما. كما أنه نقاش يدور في بعض العواصمالغربية ومراكز القرار الديبلوماسي والسياسي من زاوية شكوك بعض هذه الدول الغربية بقدرة لبنان على الاضطلاع بالمهمة في ظل وضع داخلي حساس متشابك الى أقصى الحدود مع نفوذ دول مثل سورية وإيران، على نقيض من سياسات هذه الدول الغربية، لا سيما أميركا. وإذا كان هذان القلق والشك، حيال الموقع اللبناني الجديد في خريطة العلاقات الدولية، يطرح التحدي على السلطات وعلى الديبلوماسية اللبنانية في مواجهتهما، فإنه في حد ذاته دليل على إحدى الفوائد الإيجابية لانتخاب البلد الصغير في أعلى سلطة دولية، لأنه يضيف سبباً جديداً لمواصلة سائر الدول، في المنطقة وفي العالم الاهتمام بلبنان. فإذا كانت واشنطن وباريس ولندن وغيرها تهتم لما سيكون عليه الموقف اللبناني في هذا المحفل فإنه دافع لها كلها لأن تبقي البلد الصغير على أجندتها في حال فرضت سياساتها الإقليمية المقبلة وضعه على الرف، كما فعلت خلال 3 عقود فأفسحت في المجال كي تنفرد سورية بإدارة شؤونه الداخلية ومواقفه الخارجية. في زمن بدء اللبنانيين الاعتياد على صوغ التسويات في ما بينهم، كما حصل في تشكيل الحكومة، ثم في البيان الوزاري وبعده في خطوات الحكومة الجديدة (مهما كانت شوائبها) فإن التحدي ينسحب على قدرتهم على صوغ هذه التسويات في السياسة الخارجية، على قاعدة جديدة توائم بين القدر من الاستقلالية الذي حصلوا عليه بعد انكفاء سورية عن إدارة شؤون بلدهم، وبين مراعاة مقتضيات تطبيع العلاقة معها، على أساس قرارات المجتمع الدولي في شأن علاقتها بلبنان، في زمن تسعى هي الى تطبيع علاقاتها مع هذا المجتمع. وهذا يجعل التمرين الذي سيخضع له لبنان في قرارات مجلس الوزراء موازياً في الأهمية للتمرين الذي سيخضع له عبر بعثته في مجلس الأمن. وقد سبق للبنان أن خاض هذا التمرين في الخمسينات والستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي... وإذا كان من نافل القول إن مواقف لبنان في مجلس الأمن ستستند بالنسبة الى القضايا العربية والإقليمية الساخنة (الاحتلال الإسرائيلي لأرضه والقضية الفلسطينية والعراق وغيرها...) الى الثوابت اللبنانية ومبادئ الإجماع العربي ولن يحيد عنها، فإن مصدر القلق عند بعض الأوساط اللبنانية من مترتبات المواقف المطلوبة منه في مجلس الأمن يكاد ينحصر بملف واحد وأساسي هو الملف النووي الإيراني، الذي تتخوف هذه الأوساط من ضغوط الدول الغربية والكبرى عليه في حال ذهابها نحو مواجهة بالعقوبات أو بغيرها مع طهران. فموقف لبنان حيال هذا الملف سيكون خاضعاً لضغط "حزب الله" وحلفائه في الداخل وسيرتب رد فعل داخلياً حياله، في حال راعى الموقف الغربي، وسيسبب رد فعل غربياً إزاءه إذا راعى مقتضيات الاستقرار الداخلي على حساب انسجامه مع المجموعة الدولية. وسواء تعلّق الأمر بإيران أم بغيرها من الملفات فإن أمام لبنان فرصة للإفادة من هذا الموقع. وهو يستطيع مواجهة المواقف الحساسة عبر مستويات عدة، بدءاً بصوغ التسوية على أي موقف في مجلس الوزراء، مروراً بالمقايضات مع الدول الكبرى على مواقف الى جانبها في قضايا لا تتسم بحساسية داخلية (عندما تعتبر صوته الى جانبها في مجلس الأمن حيوياً لتمرير قرارات)، مقابل مطالب له في قضايا تهم مصالحه الوطنية في ما يخص إسرائيل أو دعمه اقتصادياً... انتهاء بقدرته على أن يقيس أي موقف استناداً الى مصلحته القومية بصرف النظر عن عدم انسجامه مع مطالب أميركا والغرب منه. والمستوى الثالث مارسته دولة قطر أثناء عضويتها في مجلس الأمن في عامي 2006 و2007 حيث كانت لها مواقف مناقضة للموقف الأميركي على رغم حلف الدوحة الوثيق مع واشنطن عسكرياً وسياسياً... انتهاء بموقف الامتناع عن التصويت. بإمكان التمرين اللبناني أن يكون ناجحاً ويكون له عائد سياسي مربح في ظل إدارة حكيمة ممكنة له، بدأ رئيس البعثة اللبنانية في نيويورك السفير نواف سلام الإعداد لها حين كانت الدولة اللبنانية تلملم نفسها بعد الانتخابات النيابية، فضم الى البعثة فريقاً يزاوج بين الكفاءة والاندفاع على رغم قلة العدد، يقوده بحكمة، من دون مساومة، ولا تهور. فهل تلاقيه الخارجية اللبنانية ومراكز القرار في السلطة لتوفير أسباب النجاح في التحدي؟