كابول، بروكسيل، لندن – رويترز، أ ف ب – في أضخم قرار دفاعي له منذ الوصول الى البيت الأبيض بداية هذا العام، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن خطة شاملة للمهمة الأميركية في حرب أفغانستان، والتي تبدأ بإرسال 30 ألف جندي اضافي مع حلول العام الجديد، وتنتهي ببدء الانسحاب في 2011. ورفض الرئيس الأميركي مقارنة أفغانستان بفيتنام، نظراً الى التهديد الذي تمثله «القاعدة» والالتزام الدولي هناك، مشيراً الى «أننا لم نخسر أفغانستان، ولو أن الوضع تراجع». الاعلان الذي جاء في خطاب أوباما في كلية «ويست بوينت» الحربية في نيويورك فجر امس، حمل طابعاً براغماتياً وعملياً، اذ غابت عنه شعارات «الانتصار» و «إحلال الديموقراطية ونشر الحرية» والتي صاغتها ادارة سلفه جورج بوش. وبدلاً من ذلك، تضمن الخطاب شرحاً وتحليلاً مفصّلين لتبرير منطق زيادة القوات وتسليط الضوء على التهديد الأمني الذي يشكله تنظيم «القاعدة» بتحالفه مع «طالبان»، على استقرار المنطقة وأمن الولاياتالمتحدة والعالم. وبعد وصفه المنطقة الحدودية بين باكستانوأفغانستان بأنها «مركز التطرف الذي تمارسه القاعدة والنقطة التي تم منها التخطيط لاعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ويتم منها حالياً التخطيط لاعتداءات جديدة ضدنا»، وضع أوباما الاطار الأوسع لتسويق الحرب لدى الأميركيين، مذكراً بمخاطر انهيار الاستقرار في أفغانستانوباكستان النووية على النظام العالمي، وقال إن «أمن الولاياتالمتحدة وسلامة الأميركيين هي على المحك في أفغانستان». واستعاد أوباما في خطابه الذي ألقاه في حضور أركان الادارة وبينهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والدفاع روبرت غيتس وقائد القيادة الوسطى ديفيد باتريوس، أخطاء الادارة السابقة وتحديداً بالدخول في حرب العراق وتجاهل الحرب في أفغانستان لست سنوات وعدم توفير الموارد العسكرية للقيادة هناك. واعترف أوباما بأن «الوضع في أفغانستان تراجع، وعلينا عكس الزخم ومنع حركة طالبان من إسقاط الحكومة». وأشار الى أن قرار ارسال 30 الف جندي في الاشهر الستة المقبلة هو «مصلحة قومية حيوية» للولايات المتحدة و «لم يتخذ بخفة». وصارح الأميركيين بأن إرسال هذه التعزيزات والتي سترفع عديد القوات الأميركية إلى حوالى 100 ألف جندي، ستكلف على الأرجح 30 بليون دولار هذه السنة». تقاسم العبء وفي الجملة التي تضمنت اعلان الزيادة، أرفق أوباما خطته ببدء نقل السيطرة الى القوات الأفغانية في تموز (يوليو) 2011 وبعد تدريبها من القوات الأميركية وحتى يتمكن المزيد من الأفغان من المشاركة في القتال. وكان لافتاً توجه الرئيس أوباما الى الشعب الأفغاني في منتصف الخطاب وتأكيده دعم واشنطن لجهود الحكومة الأفغانية ب «فتح الباب أمام عناصر طالبان الذين يتركون العنف ويحترمون حقوق الانسان وحقوق المواطنين». وفي حين لم يتطرق أوباما الى زيادة ال10 آلاف جندي المتوقعة من دول التحالف والتي تكمل توصيات القائد الأعلى ستانلي ماكريستال الذي طالب ب40 ألف جندي، شدد على أن هذه الجهود دولية وطلب أن تكون الالتزامات مشتركة بإسهامات من الحلفاء. وقال اوباما: «نحن واثقون من أنه ستكون هناك مساهمات إضافية في الأيام والأسابيع المقبلة». وأضاف: «حارب أصدقاؤنا ونزفوا وماتوا معنا في أفغانستان. والآن ينبغي أن ننضم معاً لإنهاء هذه الحرب بنجاح، لأن ما على المحك ليس ببساطة صدقية حلف الناتو بل أمن الحلفاء والأمن المشترك للعالم». واذ رفض أوباما مقارنة الحرب في أفغانستان بحرب فيتنام، اشار الى الالتزام الدولي في هذه الحرب (43 حليفاً) والتهديد الذي تشكله «القاعدة»، ولأن حركة التمرد ليست مدعومة شعبياً بالمستوى الذي كانت عليه في هانوي في سبعينات القرن الماضي. لكن الرئيس الأميركي رسم مقاربة في المهمة العسكرية بين حرب أفغانستان وحرب العراق، وقال: «هذه التعزيزات الأميركية والدولية ستسمح لنا بالإسراع بتسليم المسؤولية إلى القوات الأفغانية وتسمح لنا بالبدء في نقل قواتنا إلى خارج أفغانستان في تموز (يوليو) 2011، تماماً كما فعلنا في العراق». وأكد اوباما أن حكومته ستقوم بهذه العملية الانتقالية بطريقة مسؤولة، مع الأخذ في الاعتبار الظروف السائدة على الأرض، وستستمر في تقديم المشورة للقوات الأفغانية ومساعدتها الى ان تطمئن إلى أن الجهود الأميركية ستُكلل بالنجاح على المدى البعيد. وشدد على ان «الحكومة الأفغانية وخصوصاً الشعب الأفغاني، سيدركون أنهم سيتسلمون بأنفسهم مصير بلادهم في نهاية المطاف». كما شدد على أهمية ترسيخ العلاقة الثنائية بين الولاياتالمتحدةوباكستان، وأشاد بجهود الجيش الباكستاني في عملياته الأخيرة ضد المتمردين في منطقة سوات. وأشار اوباما إلى أن وحدة الصف الأميركي ضرورية لإنهاء هذه الحرب بنجاح لأن صدقية الحلف الأطلسي ليست وحدها على المحك، بل أمن حلفاء أميركا وأمن العالم. ماكريستال يعد ب «تغيير كبير» وبعد ساعات من خطاب أوباما، قال الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأميركية و «الأطلسية» في افغانستان، ان التعزيزات التي قرر الرئيس الأميركي إرسالها «ستحدث تغييراً كبيراً» في البلد. وأجرى الجنرال الأميركي جولة ميدانية لدعم قواته والتأكيد على ان التعزيزات ستوفر الأعداد اللازمة لتطبيق استراتيجية جديدة تحمي المدنيين وتسرع تدريب القوات الأفغانية وتقلب موازين الحرب. وتحدث ماكريستال الى قادته عبر دائرة تلفزيونية مغلقة واعداً بتغيير ملموس في الاستراتيجية وتركيز أكبر على كسب تأييد الرأي العام للحكومة الأفغانية. ووافق ماكريستال على المهلة التي حددها اوباما للانسحاب، واستعار عبارة لرئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل إبان الحرب العالمية الثانية، قال فيها إنها «بداية النهاية» لثماني سنوات من الحرب. وشكل موقف ماكريستال رداً على إدانة من جانب الجمهوريين في واشنطن الذين رأوا ان تحديد موعد للانسحاب «يزيد جرأة طالبان ويقوِّض التأييد لحكومتي أفغانستانوباكستان». تأييد بريطاني قوي وحظي قرار الرئيس الاميركي بتأييد أوروبي لم يخل من حذر لدى بعض الدول، علماً أن الرئاسة السويدية للاتحاد الاوروبي أعلنت أن الاتحاد على استعداد للعمل «بتعاون وثيق» مع الولاياتالمتحدة من اجل «التصدي للتحديات» في افغانستان. ولعل ابرز تعابير التأييد جاءت من رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الذي دعا الدول المتحالفة مع الولاياتالمتحدة إلى دعم خطط أوباما، وذلك بأن ترسل مزيداً من قواتها إلى افغانستان. كما عبر رئيس الأركان البريطاني جوك ستيراب عن سروره بزيادة القوات. وقال براون: «أدعو كل حلفائنا الى الوقوف خلف استراتيجية الرئيس أوباما، وستستمر بريطانيا في القيام بدورها الكامل في إقناع الدول الأخرى بعرض قوات للمشاركة في الحملة في أفغانستان». ورأى براون أن الخطوة المهمة المقبلة ستكون عقد مؤتمر في لندن في شأن أفغانستان في 28 كانون الثاني (يناير) المقبل، تدعى إليه كل الدول المشاركة في المهمة التي يقودها حلف شمال الأطلسي وعددها 43 دولة. وقال إن المؤتمر سيتناول نقل بعض الأقاليم إلى السيطرة الأفغانية ودعم «التزامات الرئيس (الافغاني حميد) كارزاي في شأن الإصلاحات الأفغانية لبناء قوات الجيش والشرطة الأفغانية» وضمان تقديم مزيد من الدعم من الشركاء الدوليين. ورحب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بقرار أوباما، لكنه لم يتعهد على الفور بأن تحذو فرنسا حذوه. وورد في بيان اصدره مكتب ساركوزي أن خطاب أوباما «يتسم بالشجاعة والتصميم والوضوح ويعطي زخماً للالتزام الدولي ويفتح آفاقاً جديدة». وأضاف البيان أن الرئيس الفرنسي «يعرض مساندته الكاملة ويدعو كل البلدان التي تريد مساعدة الشعب الأفغاني الى مساندته». المشاركة «الاطلسية» في غضون ذلك، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن أن حلفاء الولاياتالمتحدة سيرسلون «ما لا يقل عن» خمسة آلاف عنصر للانضمام الى قوة «ايساف» الدولية التي يقودها الحلف في أفغانستان، الى جانب ال30 الفاً الذين سترسلهم الولاياتالمتحدة. وقال راسموسن إن «على الحلف الاطلسي في هذا الوقت المهم ان يثبت مرة جديدة وحدة صفه وقوته. وعلى جميع الحلفاء ان يبذلوا المزيد. إنها معركة مشتركة وعلينا ان ننهيها».