ثلاثة أشهر من الأخذ والرد بين أركان إدارته والقيادة العسكرية ودول التحالف، انتهت أمس بإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجيته الجديدةلأفغانستان والتي ترتكز على مسارين. يقضي الأول، بمضاعفة الانخراط العسكري وزيادة 30 ألف جندي بدءاً من مطلع العام المقبل، والثاني تعزيز أداء الحكومة الأفغانية والعلاقة مع باكستان تمهيداً لإنهاء الحرب. وقبل ساعات من اعلان أوباما استراتيجيته ليل الثلثاء - الاربعاء، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين في البيت الأبيض أنه يطالب دول التحالف بزيادة 5 آلاف جندي، ما يجعل الزيادة العسكرية المرتقبة الأكبر في الحرب الأفغانية منذ إطاحة نظام «طالبان» نهاية العام 2001، تمهيداً لتلبية الموارد العسكرية التي طلبها قائد القوات الأجنبية في أفغانستان الجنرال الأميركي ستانلي ماكريستال في أيلول (سبتمبر) الماضي عبر إرسال 40 ألف جندي. وترفع الزيادة الى جانب تلك التي سبقتها مطلع السنة الحالية (22 ألف جندي) عدد الجنود الأميركيين الى أكثر من مئة ألف. في المقابل، أفادت صحيفة «لوموند» الفرنسية ان اوباما طلب من حلفائه ارسال 10 آلاف جندي اضافي الى افغانستان، بينهم 1500 من فرنسا ومثلهم من ايطاليا وألفان من ألمانيا وألف من بريطانيا، مشيرة الى استعداد فرنسا لتنفيذ المبادرة. وكشف الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس: «أن أجزاء من خطاب الرئيس تتناول علاقة الولاياتالمتحدة مع باكستان. وهو يؤكد مجدداً عدداً من القرارات التي اتخذتها إدارته بعد تسلمها مهماتها، وهي الانخراط ديبلوماسياً مع باكستان لمكافحة التطرف. وأضاف، في وقت تعكس استطلاعات الرأي معارضة أكثرية الأميركيين للزيادة العسكرية (54 في المئة)، أن الرئيس أوباما يتطرق في خطابه إلى تكاليف المهمة العسكرية في أفغانستان ويشدد على أن الولايات لن تبقى هناك إلى ما لا نهاية، مشيراً الى «أن التزامنا ليس مفتوحاً في أفغانستان، حيث نعمل على تدريب القوات الأفغانية كي تستطيع توفير الأمن محلياً وشن حرب ضد حركة التمرد فيها. هذه مهمتنا الرئيسية». ويواجه أوباما صعوبات داخلية في تسويق الحرب، مع تجاوز عدد القتلى في صفوف الجيش 800 جندي، ووصول كلفتها الى نحو 500 بليون دولار. وتتناول الاستراتيجية الجديدة أيضاً الشق السياسي والميداني أمام أعمال العنف المتزايدة على تلك الجبهة، والتي باتت تهدد بإطاحة إنجازات الحرب عام 2001 وتنذر بعودة «طالبان» الى السلطة. ويركز أوباما بشكل أساسي على ضرورة زيادة القدرات الأمنية للشرطة والجيش في كابول ومحاولة إرساء مصالحة مع المعتدلين لإنجاز أهداف الحرب، وهي شل الشبكات الإرهابية وتحسين النمط الحكومي ودور القوى الأمنية وعمل الحكومة على المستوى المدني واشراك المجتمع الدولي بشكل أفضل. واستبق الوسط السياسي الأميركي الخطاب بإعطاء مواقف منقسمة حوله، إذ أبدت القاعدة الليبرالية للحزب الديموقراطي تحفظات على الزيادة كونها تتعارض مع وعود أوباما في حملته لإنهاء الحرب. في المقابل انتقد اليمين المتشدد تأخر أوباما في إعلان الزيادة، وتوقع رقماً أكبر لقلب المعادلة العسكرية لمصلحة قوات التحالف. وأوردت «واشنطن بوست» أن أوباما يشترط إتمام الالتزامات لاستكمال الانخراط الأميركي، و «ستنشر القوات على مراحل، وطبقاً لشروط وظروف عملية على الأرض، ومع إبقاء حق التراجع أو التحفظ عن إرسال مزيد في حال لم تنجز كل الأطراف التزاماتها». وسيتوجه كل من وزير الدفاع روبرت غيتس، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والأميرال مايكل مولن الى الكونغرس اليوم في جلسة استماع علنية لشرح الاستراتيجية الجديدة. على صعيد آخر أفادت صحيفة «ذي غارديان» بأن الاستراتيجية الجديدة للرئيس أوباما تتضمن تعيين «موفد دولي عالي المستوى» للتحكم بشؤون إدارة أفغانستان، في محاولة لتخطي حكومة الرئيس حميد كارزاي التي تتعرض لانتقادات كبيرة بسبب الفساد. وكشفت الصحيفة أن المبادرة الأميركية التي يقف خلفها ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص الى أفغانستانوباكستان، أوجدت انقساماً بين واشنطن والحلف الأطلسي (ناتو) الذي يعتقد بأن الإجراء سيقلص شرعية رئاسة كارزاي والدور الذي تضطلع به الأممالمتحدة في البلاد. ويرى مسؤولون أوروبيون وبينهم بريطانيون أن تأثير خسارة كابول شرعيتها عبر تعيين هذا الموفد الدولي سيفوق إيجابيات زيادة فاعلية عمل الإدارة الأفغانية المرتبطة بهذا التعيين، علماً أن الدول الأوروبية وكندا أكثر اقتناعاً من الولاياتالمتحدة بأهمية دور الأممالمتحدة في أفغانستان. ويعتبر هولبروك ان سياسة الأممالمتحدة غير فاعلة ومتساهلة مع كابول على صعيد سجل الفساد، فيما تؤكد الدول الأوروبية في الحلف الأطلسي وكندا ثقتها بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة الى أفغانستان كاي ادي، «خصوصاً انه نجح في إقناع كارزاي بتعيين وزراء أفضل». ويرى خبراء أوروبيون أن اقتراح واشنطن يهدف الى استعادة تأثيرها المفقود في الجهود الدولية الخاصة بأفغانستان بعد إقالة الأممالمتحدة مساعد ادي، الديبلوماسي الأميركي بيتر غالبريث في أيلول (سبتمبر) الماضي، اثر خلاف نشب بينه وبين ادي على خلفية الانتخابات الرئاسية الأفغانية التي أجريت في 20 آب (أغسطس) الماضي. ويتوقع أن يتخذ القرار النهائي في شأن استحداث هذا المنصب على هامش المؤتمر الذي تستضيفه لندن نهاية الشهر الجاري لبحث خيارات نقل السيادة الأمنية الى القوات الأفغانية. وحاول مسؤولون دوليون اقترحوا العام الماضي تعيين زعيم الحزب الديموقراطي البريطاني السابق بادي اشداون موفداً دولياً خاصاً لأفغانستان بصلاحيات واسعة، لكن الرئيس كارزاي عارض المبادرة، باعتبار انها تعيد الى الواجهة ذكرى الاستعمار البريطاني للبلاد. وتناولت تقارير احتمال تعيين السفير الأميركي الحالي في كابول كارل ايكينبيري في هذا المنصب، لكنه رفض أخيراً طلب الجنرال ماكريستال إرسال مزيد من القوات الأميركية الى أفغانستان.