تحولت دعوة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وفقاً لما نص عليه اتفاق الطائف مادة خلافية جديدة بين الأطراف السياسيين الرئيسيين الذين تراوحت مواقفهم بين مؤيد ومتريث ورافض بذريعة أن الوقت الراهن ليس مناسباً لطرحها. وكاد التباين في خصوصها يطغى على المشهد السياسي العام في البلد ويخطف الأضواء من اللجنة الوزارية المكلفة إعداد البيان الوزاري التي اجتمعت عصر أمس في محاولة أخيرة للتوفيق بين مواقف أعضائها في شأن البند الخاص بالاستراتيجية الدفاعية للبنان ومن ضمنها سلاح المقاومة باعتبار أن هذا البند لا يزال يؤخر إنجاز مشروع البيان الوزاري الذي على أساسه ستحدد جلسة مجلس الوزراء لإقراره وإحالته على البرلمان تمهيداً لتصويت النواب على منح الثقة للحكومة. وكاد تصاعد الاختلاف في شأن تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، أيضاً، يحجب الأنظار عن توالي لقاءات «غسل القلوب» بين القيادات المتخاصمة التي يرعاها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وكان آخرها أمس لقاء جمع بين رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط ،وتمحور حول «طبق سياسي» واحد يتعلق باستكمال عودة المهجرين الى الجبل نظراً الى ضرورة إغلاق هذا الملف بصورة نهائية، علماً أن اجتماعهما في بعبدا هو الأول منذ عودة عون الى بيروت في أيار (مايو) 2005. لكن اللافت في المواقف من دعوة بري كان تأكيد الرئيس سليمان في خلال لقاءاته أمس أن «المواضيع التي تطرح، لا سيما منها تلك التي تتناول الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية تتطلب توافقاً لبنانياً شاملاً وحفاظاً على المشاركة الكاملة بما لا يناقض ميثاق العيش المشترك وروح الدستور اللبناني وذلك في إيجاد الحلول والتشريعات التي تزيل الدوافع الى الاصطفاف المذهبي والطائفي لبلوغ الأهداف والمصالح السياسية من طريق تحقيق هذه الإصلاحات وفي طليعتها الدستورية والسياسية وقانون انتخاب جديد واللامركزية الإدارية». وكان للرئيس بري بعد لقائه الرئيس سليمان موقف رد فيه على المعترضين على تشكيل الهيئة الوطنية غمز فيه من قناة كتلة «المستقبل» النيابية التي رأت في بيان لها أول من أمس أن إلغاء الطائفية السياسية يتطلب اختيار الوقت المناسب. وسأل بري: «إذا كان الوقت بعد 66 سنة من الاستقلال و20 سنة من الطائف ليس مناسباً للتفكير في كيفية إلغاء الطائفية السياسية، هل يمكن أن يحددوا لنا التاريخ لإلغائها؟». وبعد انتقال بري الى مكتبه في ساحة النجمة نقل عنه النواب في لقاء الأربعاء النيابي قوله: «أنا لا أفهم لماذا كل هذا الرعب من مجرد الدعوة الى التفكير في إلغاء الطائفية السياسية، خصوصاً أن لا صفة تقريرية للجنة التي ستوكل إليها دراسة كيفية إلغائها، والقرار النهائي في هذا الشأن يعود للحكومة والمجلس النيابي. وإلا كيف نتخلص من كل هذا الاحتقان المذهبي والطائفي مع أن البحث في داخل اللجنة يحتاج الى وقت طويل ويمكن أن لا نتوصل الى إلغائها قبل مرور نصف قرن من الآن؟». وأدت دعوة بري الى خلط أوراق، حتى داخل الفريق السياسي الواحد، وهذا ما تجلى في موقف لعون بعد ترؤسه الاجتماع الأسبوعي لتكتله النيابي تمنى فيه على رئيس المجلس استرداد طرحه على «أن نعقد كرؤساء كتل نيابية اجتماعاً نبحث فيه الموضوع بهدوء بعيداً من الضوضاء لأن إلغاء الطائفية لا يمكننا أن نعمل به طالما أن الطوائف تلزم المواطن بأموره اليومية كالزواج والفكر الديني والانتساب»، مؤكداً في الوقت نفسه رفضه لما أعلنه المجلس الدستوري عن عدم قبول كل الطعون المقدمة إليه من راسبين في الانتخابات النيابية الأخيرة ضد منافسيهم الفائزين فيها. لكن جنبلاط أبدى، أمام زواره تفهماً لدعوة بري، بذريعة أنه آن الأوان لتطبيق اتفاق الطائف لتبديد أجواء الاحتقان المذهبي والطائفي. كما أن رئيس الحكومة السابق عمر كرامي أكد وقوفه الى جانب رئيس المجلس خلافاً لموقف قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي رد بعنف على مطالبة بري بتشكيل الهيئة الوطنية، معتبراً «أن هناك من يطرح تشكيل الهيئة حتى يستمر لبنان كما يدعي بدل أن يهتم بالمناقشات التي تدور في شأن البيان الوزاري حيث إن الفريق الآخر يريد الإبقاء على المعادلة التي كانت قائمة في البيان الوزاري السابق بخصوص مسألة وجود سلاح خارج نطاق الدولة والاستراتيجية الدفاعية». ورأى جعجع أن إعلان هذا الطرح وتوقيته ما هو إلا تهرب من الاستراتيجية الدفاعية وقال: «مهما ضغطوا ليضعوا ما يريدونه في البيان الوزاري عن الاستراتيجية والمقاومة لن يكون له شرعية». أما في شأن المداولات الجارية في لجنة البيان الوزاري بخصوص الاستراتيجية الدفاعية وكان آخرها اجتماع ماراثوني عصر أمس، فعلمت «الحياة» أن رئيس الحكومة سعد الحريري كثف اتصالاته بكل من رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميل وجعجع في محاولة لإنهاء السجال الدائر حولها، خصوصاً أنه يؤخر إقرار البيان الوزاري في مجلس الوزراء الذي بات من المستبعد أن يعقد جلسته قبل حلول عيد الأضحى الذي يصادف غداً وأصبح مرجحاً عقده فور انتهاء عطلة العيد ما يعني أن هناك صعوبة في استعجال توجيه الدعوة للنواب الى عقد جلسة عامة لمناقشة البيان الوزاري. يذكر أن اجتماع لجنة البيان الوزاري ليل أول من أمس كان شهد مشادة بين الوزيرين بطرس حرب وجبران باسيل من «تكتل التغيير» على خلفية مطالبة الأخير بتوسيع جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني بضم مسألة الموقف من توطين الفلسطينيين في لبنان واعتراض معظم الوزراء على مطالبته باعتبار أن الموقف اللبناني برفض التوطين موحد ووارد في المقدمة السياسية لمشروع البيان الوزاري وبالتالي لا مبرر لإقحام الحوار بهذه المسألة، خصوصاً أن ليس للحكومة صلاحية في تحديد جدول أعماله التي تعود لرئيس الجمهورية باعتباره هو الذي يرأس جلساته. كما أن اعتراض باسيل على إدراج العبارة التي تنص على أن اتفاق الطائف هو المرجع الوحيد للعلاقات اللبنانية – السورية بذريعة أنه لم يعد من مبرر للإبقاء عليها طالما أن البلدين توافقا على إقامة علاقات ديبلوماسية وتبادل السفراء، لقي معارضة من معظم الوزراء الذي أصروا على عدم المساس بها. الى ذلك نقل النواب عن بري قوله: «إن لا دستورية لتحفُّظ أي وزير عن أحد بنود البيان الوزاري باعتباره أن مجلس الوزراء سيقر البيان الوزاري ويحيله على البرلمان من دون أن يأتي على ذكر من يتحفظ على هذا البند أو ذاك وبالتالي فإن تحفظه ليس أبعد من تسجيل لموقف لن تكون له مفاعيل دستورية».