في سياق عرض كتاب «ثلاث قصص علميّة» للنظرة المعاصرة عن نظرية التطوّر الدارويني، هناك إشارة إلى أنها تبدأ مع فجر الوعي البشري. إذ بدأت مسيرة تلك النظرية مع فلاسفة الإغريق في عصر ما قبل سقراط. وحينها، فكّر إنكسماندر في التطوّر العضوي ليقول بنشأة الحياة في البحار ثم انتقالها إلى الأرض، كما وتبنّى إمبذوقليس فكرة تكيّف الكائنات مع بيئاتها. في عصر ما بعد سقراط، فكّر أرسطو في وجود علاقة تراتبيّة بين الكائنات في ما سُمّي «سلّم الحياة»، أو «سلسلة الوجود»، ثم شهدت فكرة التطوّر طفرة على يد فلاسفة الحضارة الإسلامية ومفكريها (مثال: «حي بن يقظان» لإبن طفيل)، كادت تمسك بنظريتها كما عرفها الغرب بعدها بقرون. وبمجئ القرن الثامن عشر، بدأت النظريات التطوّرية تنحو إلى الماديةّ في تصورها لتراكم التغييرات عبر التكاثر لأجيال عدة، ما يؤدي طفرة توصل إلى ظهور سلالات وأنواع جديدة. وقرب نهاية القرن الثامن عشر، قدم إراسموس داروين أفكاراً عن ظهور الكائنات وتنوعها، انطلاقاً من أصول مشتركة بسيطة. وإضافة إلى ازدهار علم الأحفوريّات في القرن التاسع عشر ودراسة العصور والطبقات الجيولوجية، شهد ذلك القرن نضوج مفهوم عدم ثبات الأنواع وتحولها، وقدم جان باتيست لامارك نظريته الشهيرة عن «توارث الصفات المُكتسبة» في الكائنات الحيّة. في تناوله لقصة الوراثة، يرى المؤلّف أن رواد نظريات الوراثة، كقدماء المصريين والآشوريين والعرب، أدركوا فعل الرياح والطيور والحشرات في تلقيح النباتات، كما جرّبوا نقل اللقاح بأنفسهم. أما العصور الوسطى، فاكتظت بتصوّرات عن كائنات غريبة، نتجت من التزاوج بين مختلف الحيوانات وإنتاج وحوش أسطورية. ويرى أن الطفرة الكبرى في علم الوراثة، جاءت في القرن العشرين من قوّة التهجين، بمعنى التفاعل بين البيولوجيا والفيزياء والكيمياء، ما جعل البيولوجيا علماً منضبطاً. كما تأسّست طرق وأدوات مكّنت البيولوجيا من دراسة الوراثة على مستوى الجزيء Molecular Biology. وبذا، تمكن علماء البيولوجيا من الإمساك بمادة الوراثة والتعرف الى وظائفها وتراكيبها، وصولاً إلى التعرّف على سلسلة مفرداتها، وعمل خرائط لها في مشروع الجينوم.