منذ كانت الأميركية اللبنانية جون بومان نصر الله على مقاعد الدراسة الثانوية، أبدت شغفاً كبيراً بدراسة النباتات والزهور، ما دفعها إلى الالتحاق بالجامعة الأميركية في بيروت، حيث حصلت على بكالوريوس في علم الأحياء (البيولوجيا Biology). ثم نالت الدكتوراه في علوم الوراثة في جامعة كورنيل– إيثاكا في ولاية نيويورك (1977). وبعدها، نالت درجة زمالة في قسم علم الوراثة والتنمية. وتتولى حالياً تدريس بيولوجيا النبات في جامعة كورنيل. شغف النبات وتناسلها تساهم البروفسورة نصر الله في مجموعة واسعة من النشاطات العلمية والأكاديمية والمهنية، وإضافة إلى تدرّجها في مناصب تعليمية عدّة، انتُخبت عضواً في لجان وتنظيمات مهنية، أبرزها «الجمعية الأميركية لعلماء الأحياء النباتية» و «الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم» و «الأكاديمية اللبنانية للعلوم». وشاركت -ولا تزال- في تحرير عدد من الدوريات العلمية، منها: مجلة «فيزيولوجيا النبات»، و «الاتجاهات في علم النبات»، و «التكاثر الجنسي للنبات»، ومجلة «وقائع» التابعة ل «الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم». وعلى مدار ما يزيد على ثلث قرن، تميزت المسيرة العلمية لنصر الله بشهرة عالمية، عبر مشاركتها الفعّالة في عدد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات الدولية في أميركا وأوروبا وأستراليا وكندا وغيرها. وركّزت على حضور المنتديات التي تناقش تطوّر نظريات أساسية في البيولوجيا تشمل «عدم التوافق الذاتي» self-incompatibility، و «التطور الجزيئي» molecular evolution، و «علم الوراثة»، و «البيولوجيا الجزيئية للنبات»، و «الكيمياء الحيوية» و «استنساخ الجينات النباتية» و»تفعيل التنمية النباتية» وغيرها من النظريات المتعلقة بتفاعلات حبوب اللقاح مع أعضاء التناسل في النبات، ودراسة الخلايا البيولوجية وخلايا الجراثيم المتصلة بالنبات. ونشرت نصر الله ما يزيد على 100 ورقة علمية، وساهمت في تحرير عشرات الفصول في كتب علمية، كما نشرت مقالات في مجلات علمية مرموقة، مثل مجلتي «ساينس» و «نايتشر». تمحورت اهتمامات نصر الله علمياً حول مروحة واسعة من البحوث والتقنيات المتطورة في علوم الخلايا والوراثة وبيولوجيا النبات والبيولوجيا الجزيئية النباتية والكيمياء الحيوية وبيولوجيا النبات الإنجابية والنباتات المُعدّلة جينياً. واشتغلت كثيراً على العوامل والأساليب التي تسهل عملية الإخصاب الذاتي الطبيعي Self-Pollination او تمنعها، إضافة الى تطوير نظم التزاوج بين النباتات بهدف تحسين المحاصيل الزراعية. في مقابلة مع ال «الحياة»، أشارت نصر الله إلى مقولة داروين في كتابه «الإخصاب الذاتي في المملكة النباتية» (لندن، 1876)، القائلة بأن «حبوب اللقاح غير المتوافقة، او تلك التي تتصل بها اتصالاً وثيقاً، يمكن ان تصبح مُخصّبة فتلقح البذور العائدة لسلالات أخرى». وأوضحت أن الآلية الجينية لهذه الظاهرة ظلت لغزاً حتى عام 1980، حين نهضت وزملاءها في جامعة كورنيل بسلسلة من البحوث المعمقة استندت إلى «مزيج من علم الوراثة وبيولوجيا الخلايا والتحليل الجزيئي، وشكّلت حينها ركيزة أساسية لعلم الوراثة النباتية وتطوره وقدرته على تحسين تقنيات تربية النباتات وإنتاج البذور المُهجّنة أيضاً». ونُشِرَت تلك البحوث في مجلة «بروسيدنغز أوف زي ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز» Proceeding of the National Academy of Sciences، المعروفة باسمها المختصر «بناس» PNAS. وتلفت نصر الله إلى ان تلك البحوث «موّلَتها مؤسسات أميركية عدة، أبرزها «مؤسسة العلوم الوطنية» و «وزارة الزراعة» و «المعاهد الوطنية للصحة». مختبر لاستنساخ النبات استكمالاً لبحوثها، أنشأت نصر الله مختبراً للنباتات داخل جامعة كورنيل (1985)، ومازالت تتولى مع زوجها ميخائيل نصر الله (أميركي من أصل لبناني متخصص في بيولوجيا النبات وأستاذ في جامعة كورنيل) إدارة المختبر، الذي ضمّ عدداً من الاختصاصيين في علوم النبات والوراثة الجينية. وأجرت نصر الله في المختبر تجارب عدة على عمليات التفاعل بين خلايا النبات وطُرُق نموّها، وأشارت إلى طُرُق حدوث التفاعل على مستوى الخلايا لدى النباتات المُزهرة في أنبوب اللقاح بين ذكر الزهرة والمدقة، وهي عضو الإنجاب لدى انثى الزهرة، مشيرة الى أن هذه العملية حاسمة في مسار إتمام عملية الإخصاب بصورة ناجحة، بمعنى أنها تأخذ طريقها في دورة الحياة عند النبات. ورأت نصر الله أن هذه التفاعلات تواكب نمو الاعضاء التناسلية للنبات وتؤمن وصول الحيوان المنوي إلى البويضة من جهة، وتوفر فرصة مثالية لتوضيح الأساس الجيني للخلية وفهم عملية الإخصاب من جهة اخرى. ومن باكورة إنجازات نصر الله في المختبر، أنها توصّلت إلى استنساخ «جين نباتي» يتصل عمله بإنتاج مادة بروتين سكري في النبات. وحدث هذا الأمر في وقت كان استنساخ الجينات النباتية أمراً نادراً. وحينذاك، وصفت مجلة «ساينس» هذا الاستنساخ بأنه: «إنجاز مذهل يؤدي إلى معرفة الأسرار الوراثية للنبات». وحالياً، تركز نصر الله بحوثها وتجاربها على طرق تزاوج النباتات وتلقيح بعض أنواع النبات، مثل اللفت والملفوف والقرنبيط والبروكولي والنباتات المشابهة لها، ودراسة الآليات الجزيئية (الجينية) التي تكمن وراء تفاعل حبوب اللقاح في المدقة، مع التدقيق في قابليتها للخصوبة، عن طريق استخدام تقنيات متطوّرة في البيوكيمياء وبيولوجيا الخلايا والجينات الوراثية. وقالت إن الهدف الأساس لهذه التجارب يكمن في «توضيح الأسس الوراثية ونُظُم التزاوج والإخصاب الذاتي، عبر استخدام نظرية النشوء والتطور، والمقارنة بين جينوم النباتات المختلفة، إضافة الى الاستفادة من معطيات علوم الجينات». وواجهت نصرالله معضلة في تفسير ظاهرة «عدم التوافق الذاتي»، التي تتمثّل بالسؤال التالي: «كيف يمكن الخلايا الأنثوية التناسلية ان تميّز بين أقنية التخصيب الذاتي وغير الذاتي؟»، ورأت ان هذا التمييز يتوقف أساساً على حيوية بروتين معيّن على سطح الخلايا الأنثوية يعمل بوصفه متلقياً من جهة، وعلى فاعلية «بروتين صغير» له تركيب يتوافق مع شكل السطح المتلقي من جهة اخرى، مع الإشارة الى أن البروتين الأخير يتموضع على السطح الخارجي لحبوب اللقاح. ومن الناحية النظرية، يجب أن يعمل هذا التوافق بشكل دقيق، بمعنى أنه يشبه توافق القفل مع المفتاح. وفي حال عدم التفاعل بين المُكوّنين السابقين، يظهر نوع آخر من البروتين يعوق نشاطات الإنجاب في خلايا الأنثى، ما يؤدي إلى تثبيط نمو أنبوب اللقاح وتوقف عملية الإخصاب الذاتي. ولفتت نصر الله إلى ان» ثمة متغيرات في الخلايا الأنثوية لدى النباتات ما تزال غامضة، وبحوثنا جارية لاكتشاف تفسيرات علمية لها»، وفق كلماتها. وتناولت نصر الله إمكان نسج تعاون مشترك بين الجامعات الأميركية وبعض الجامعات اللبنانية، فكشفت عن جهود جارية بشأن استفادة جامعات لبنانية مما تقدمه مؤسسات البحوث الزراعية الأميركية من تدريبات ومنح مالية وبرامج متطورة في مختلف فروع علم النبات.