أعوام عدة وسنون مديدة، كان فيها الملح الصخري أساس طعام أهالي جازان، نظراً لكونه خالياً من أية إضافات يمكن أن تتسبب في إفساد لذّته، وما إن ظهر الملح المعلّب وبدأ في الانتشار حتى بدأ الأهالي يوقفون عادتهم في التنقيب والاستخراج. وبعد أن كان الملح الصخري الذي يستخرج من جبل الملح الشهير أحد الضرورات لمعظم أهالي منطقة جازان، عزف عنه معظمهم تدريجياً، حتى بات منسياً ومهجوراً على رغم وفرته بكميات كبيرة، صنفها متخصصون في أمانة المنطقة بأنها «منجم وفير». وكان عشرات الباحثين عن الملح في السابق يتجهون إلى استخراجه من الجبل بطرق بدائية، لا تتجاوز معاولهم وأكياس الخيش التي تمتلئ بعد تكسير بلورات الملح المشابهة للصخور، فتنهمر منها الحبات، ليتم بعد ذلك بيعها في أحد الأسواق لتأمين متطلبات الحياة، قبل أن تبدأ هجرة الأهالي له بعد ظهور الملح المعلّب الذي تنتجه بعض الشركات. ويوضّح (الثمانيني) علي أحمد، أنه كان يعمل بجوار جبل الملح الذي يفصل البحر من الجهة الغربية عن سكن المواطنين من الجهة الشرقية والسوق الشعبي الذي يحده من الجهة الشمالية ، مشيراً إلى أنه كان هناك أكثر من 20 مواطناً يسكنون حي الجبل و«العشيماء» يتجهون منذ الصباح الباكر نحو الجبل، حاملين معهم أكياس الخيش ومعاول لتكسير صخور الملح، مبيناً أن الموقع لا يرتاده الناس سوى من يعملون بتكسير الصخور. ويضيف: «يعتبر الوصول إلى الموقع سهلاً، وكذلك تكسير صخور الملح، إلا أن الصعوبة تكمن في حمل الأكياس التي تصل إلى 40 كيلوغراماً لمسافة 500 متر، إذ تعتبر تجربة شاقة لأنه لا يمكن الوصول إلى الموقع إلا مشياً على الأقدام». وعن أسعار أكياس الملح الصخري، يوضّح أنها تختلف بحسب أحجامها، فالصغيرة تباع بسعر يراوح بين 3 و7 ريالات، والكبيرة تصل إلى 50 ريالاً بحسب العرض والطلب، منوّهاً بأن جبل الملح الصخري افتقد المنقبين منذ أعوام، بعد ظهور الملح المعلّب، إضافة إلى أن كبر سن بعض من عُرفوا بالتنقيب يعدّ سبباً في هجرتهم للجبل وترك هذه المهنة. وعلى رغم أن مسؤولين في أمانة منطقة جازان والغرفة التجارية أكدوا قبل أعوام أن المنجم بحاجة إلى مصنع للتنقيب، واستخراج الملح لوفرته في معظم الأحياء الجبلية القريبة من البحر، إلا أن تلك المناطق تتعرض لهبوط في الطبقة العلوية من سطحها تسببت في تشققات في المباني دعت معها الأمانة إلى تعويض سكان تلك المواقع المحيطة بجبل الملح لنقلهم إلى أحياء حديثة بعيدة عن أضرار تلك التشققات الناتجة عن القبب الملحية. من جهته، أفاد اختصاصي الجغرافيا محمد علي بأن هناك عدداً من الأحياء في مدينة جيزان على قبب ملحية تتسبب في هبوط للأرضيات بعد هطول الأمطار بشكل متواصل، الأمر الذي قد يؤدي إلى ذوبان الملح، ومن ثم تتأثر منها بعض المباني والطرقات، مشيراً إلى أن أشهر تلك الموقع هو جبل الملح الواقع جنوب غربي حارة الجبل وحي «العشيماء» والجبل الأحمر و«المضريبة». وأضاف: «يتوافر الملح بكميات كبيرة في الجبال الرسوبية المتحولة التي تفصل مدينة جازان عن البحر من الناحية الغربية، فتلك المواقع كانت مغمورة بماء البحر، إذ وجدت بعض القواقع في تلك الجبال، وهذا يدل على أنها كونت قبب الملح في تلك الأحياء الذي انحسر عنها».