ليس مستغرباً القول ان النظر المستديم إلى شاشة كومبيوتر، والتمتع بالإبحار في عالم الإنترنت، والطباعة بشغف على لوحة المفاتيح، تسرق أوقاتاً ثمينة يمكن قضاؤها في النوم العميق أو الاسترخاء، بل من المستطاع القول أيضاً ان الضوء المنبعث من الشاشة يخفض كثيراً من قدرة الجسم والعقل على الاسترخاء المطلوب. ويجدر التّنبة لذلك دوماً. ويظهر أثر مُشابه على من يشاهد التلفاز بصورة مفرطة لساعات متأخرة من الليل. إذ أفادت تقارير عدة واستطلاعات موثقة، عن معاناة الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت ويشاهدون التلفاز بكثرة مباشرة قبل وقت نومهم، من الأرق، إضافة الى الرداءة في طبيعة النوم، بالمقارنة بأصحاب الاستخدام المعتدل. وفي مثال لافت، دعا بعض الخبراء في تقرير نشرته «مجلة النوم والنمط الحيوي» (2007)، إلى الحذر من التعرض المفرط لوسائل الإعلام الإلكترونية قبل الخلود للنوم، مُلاحظين أنه يؤدي إلى زيادة أعداد الشاكين من الأرق والحرمان من النوم الهادئ. ولا شك في أن الاستخدام المفرط للإنترنت يحرم بعض صغار العمر، ممن يحتاجون إلى نوم أطول وأعمق، من فرصة تعرضهم لهرمون النمو أثناء مرحلة النوم العميق. ولعل ذلك أحد أسباب تدهور التحصيل الدراسي والمستوى التعليمي لدى بعض الطلاب. فقد بات من الثابت علمياً، وجود أثر إيجابي للنوم الجيد في تدعيم الذاكرة وحفظ المعلومات والتفوّق الدراسي. وأظهر تقرير حديث ل «المركز الأميركي للتحكّم في الأمراض» (مقره مدينة أتلانتا في ولاية جورجيا)، أن نسبة الأفراد الذين ينامون أقل من 6 ساعات في الليلة في 2008 ارتفع بشكل كبير بالمقارنة بنظرائهم في العام 1985، ما اعتُبِر مؤشراً إلى التأثير السلبي لنمط الحياة العصرية وأدواتها الرقمية المتطورّة، مثل الإنترنت والتلفاز، على النظام الفِطري للنوم والاستيقاظ. وينصح خبراء اضطرابات النوم وعلم الاجتماع والنفس بترشيد استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية، وعدم تحولها إلى «هاجس اجتماعي»، والابتعاد عن المحفزّات وعوامل تشتيت الذهن، كالإنترنت، والهاتف النقال والتلفاز، والاهتمام «بساعة خفض الطاقة» قبل الخلود للنوم للمساعدة على الاسترخاء، واللجوء إلى أجواء نفسية وذهنية تساعد على الهدوء وخفض مستوى التوتر، كالصلاة أو قراءة القرآن، أو تصفح كتاب خفيف لا يحتاج إلى إعمال الفكر، أو التمتع بحمّام دافئ. * إختصاصي سعودي في اضطرابات النّوم