الحل العملي يكمن في تشكيل حكومة للفلسطينيين وأخرى لليهود، تقام بينهما علاقة فيديرالية لم يفاجئ الرئيس الاسبق للكنيست الاسرائيلي ابراهام بورغ أياً من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين الذين التقاهم، قبل ايام في رام الله، عندما خاطبهم قائلاً: «انسوا حل الدولتين، فهو لم يكن قائماً ولم يعد ممكناً». فجميعهم وافقه الرأي، وان اختلف بعضهم معه، جزئياً، حول البديل. وفي الفترة ذاتها خاطب عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» محمد اشتية اجتماعاً للقيادة الفلسطينية قائلا: «ليس هناك سياسي واحد في اسرائيل يريد حل الدولتين على اساس العام 67». ويستند السياسيون من الطرفين الى الخلاصة التي توصلوا اليها بعدم قابلية حل الدولتين الى الحقائق الاستيطانية الطاغية على الأرض، وتواصل المشروع الاستيطاني بوتائر عالية، وإجماع مختلف الاحزاب الصهونية على رفض تقسيم القدس والعودة الى حدود العام 67، وعلى قوة «لوبي» المستوطنين في المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الاسرائيلية، وعلى عدم وجود طرف فلسطيني يقبل بحل لا يتضمن القدس. وتشير آخر الاحصاءات الاسرائيلية الى وجود اكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية، بما فيها القدسالشرقية (650 ألف مستوطن). وأعدت اسرائيل خططاً خاصة لتهويد القدس عبر خلق حقائق استيطانية يستحيل التراجع عنها في اي حل سياسي مستقبلي. فعقب احتلال المدينة عام 67، وسعت السلطات الاسرائيلية حدود البلدية من 6.5 كيلومتر مربع الى 72 كيلومتراً مربعاً، واستولت من اجل ذلك على مساحات واسعة من اراضي المدن المجاورة مثل بيت لحم ورام الله واريحا، واقامت عليها مستوطنات يقطنها اليوم 250 ألف مستوطن. وتفصل هذه المستوطنات بين التجمعات السكانية الفلسطينية على نحو يحول دون تواصلها كوحدة سكانية واحدة. وأقامت اسرائيل 15 مستوطنة حول القدس، واستولت على عشرات البيوت في قلب البلدة القديمة ومنحتها للمستوطنين الذين يبلغ عددهم اليوم ثلاثة آلاف مستوطن. وأعلنت بلدية القدس عن مشروع يهدف الى زيادة نسبة اليهود في القدس بحلول العام 2020 الى 88 في المئة وتقليص عدد الفلسطينيين فيها الى 12 في المئة. واقترح ابراهام بورغ على الفلسطينين التفكير في حل سياسي يتألف من ثلاثة مستويات: الاول، هو الاقرار بأن الارض الواقعة بين النهر والبحر (فلسطين التاريخية) لم تعد قابلة للتقسيم، والثاني حق كل طرف بتعريف نفسه (دولة فلسطين ودولة يهود) والثالث تشكيل حكومتين واحدة للفلسطينيين، بمن فيهم مواطنو الداخل، وأخرى لليهود، بمن فيهم المستوطنون، ترتبطان معا بعلاقة كونفيديرالية. ياسر عبد ربه، امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الذي استضاف اللقاء مع بورغ، اعتبر ان الفكرة «جديرة بالاهتمام»، فيما يرى سياسيون فلسطينيون من مختلف الوان الطيف السياسي، بما في ذلك الحركة الاسلامية، ان حلاً من هذا النوع بات اكثر واقعية من حل الدولتين. وكتب الدكتور أحمد يوسف قبل عدة سنوات ورقة دعا فيها الى حل مشابه. لكن يوسف اقترح ان تكون فلسطين التاريخية مفتوحة للهجرة لكل من اليهود والفلسطينيين على السواء. وقال يوسف ل»الحياة» ان «الصراعات القائمة على أسسس دينية واثنية لا يمكن ان تحل عبر الاقصاء وانما عبر التعايش». واضاف: «بعد البحث والدراسة، وجدت ان حل التعايش نجح في سويسرا وبلجيكا وهولندا وغيرها، لذلك ارى ان حل الدولة ثنائية القومية ممكن هنا أيضا». ولفت الى ان «هذه الارض، ارض فلسطين التاريخية، كانت ارضاً للديانات الثلاث، الاسلامية والمسيحية واليهودية، ولا يمكن لطرف ان يقصي الآخر، بل عليه ان يتعايش مع الآخر كما كنا دائماً في التاريخ». ويرى يوسف ان الحل العملي يكمن في حكومة للفلسطينيين وأخرى لليهود، تقام بينهما علاقة فيديرالية. ويقول مقربون من الرئيس محمود عباس انه فقد الثقة في امكان تطبيق حل الدولتين، لكنه يتمسك به بسبب وجود ارضية قانونية وسياسية دولية داعمة له. وكان احد ابناء الرئيس عباس دعا أخيراً في مقابلات صحافية الى حل الدولة ثنائية القومية، الامر الذي فسره مراقبون بأنه انعكاساً لرؤية الرئيس. وبدأ عباس أخيراً خطة لتغيير المسار السياسي الفلسطيني من الحل عبر المفاوضات الثنائية الى «تدويل القضية الفلسطينية». وأوضح اشتية ان «خطة تدويل القضية الفلسطينية تقوم على اربعة اسس هي: الحصول على اعتراف دول العالم بدولة فلسطين، والانضمام الى المنظمات الدولية، وسياسية المقاطعة الدولية للاحتلال، واعادة صياغة العلاقة الفلسطينية مع دولة الاحتلال بما في ذلك وقف التنسيق الامني». ويرى اشتية ان هذا المسار يوفر للفلسطينيين قوة مهمة في أية عملية سياسية جديدة تهدف الى تطبيق حل الدولتين، وفي حال فشل ذلك فإن الاحتلال يكون قد خلق نظام فصل عنصرياً يتطلب تدخلاً دولياً لانهائه كما حصل في جنوب افريقيا.