يذهب بعض نقاد الدراما التلفزيونية إلى تقديم محاكمات نقديّة لبعض الأعمال المأخوذة عن روايات أدبية منشورة، من مدخل مقارنتها بأصلها الأدبي، ورؤية مدى التزامها بتفاصيل الرّواية أو خروجها عنها. أعتقد بأن قراءات نقدية كهذه تجانب الصّواب، فالعمل التلفزيوني هو «عرض سينمائي مصوّر» لا يلتزم بالضرورة النص الأدبي. وكما يصحّ الكلام عن نص مسرحي وعن عرض، يصحّ كذلك في حالة المسلسل وأصله الرّوائي، فالحالة النقدية تتعلّق هنا بالمشاهدة التي هي مرجعية نفسها، وهي سندها وحدودها كما هي آفاقها. أما غير ذلك، فهي دعوة قسرية لإجبار مشاهد الشاشة الصغيرة على الغوص في متون الأعمال الرّوائية، ومحاولة البحث عن الافتراقات أو الاتفاقات بينها وبين تعبيراتها المصوّرة. ربما من هذا المنطلق بالذّات نفهم حق الرّواية الأدبية في أن تتحقّق لها أكثر من تجربة تلفزيونية أو حتّى سينمائية، لأن كل تجربة منها ستحمل بالتأكيد رؤية مختلفة، لا تتعلّق هذه المرّة بالكاتب المؤلف صاحب المخيلة الأساس، ولكن أيضاً بالرؤية الإخراجية التي تجعل تلك المخيلة تستجيب للصورة وتتناغم معها، والتي قد تجد ذلك ممكناً – أحياناً كثيرة – في القفز عن مؤشرات معينة في الرّواية والاستغناء حتى عن شخصيات. نعرف أن هذا هو سبب الخلاف التقليدي بين كاتب النّص الرّوائي وبين المخرج، ولكنه سبب ينتمي تماماً إلى جوهر العملية الفنيّة ويشكل أحد شروطها الأهم. نقول ذلك ونشير إلى دور «ثالث» بين الرّوائي والمخرج، هو دور كاتب السيناريو، وهو دور ثالث أيضاً حتى ولو قام به كاتب الرّواية نفسه، فالمسألة تتعلّق هنا بإعداد الرّواية، أي بتأهيلها كي تكون في سياق لغة التلفزيون البصرية التي تحاور مخيلة المشاهد من حدقة العين. ثمة روايات كثيرة تحقّقت في أعمال تلفزيونية كان بعضها شهيراً قرأها الناس وأغرموا بها وبأبطالها، ولكنهم مع ذلك عشقوا مشاهداتهم لها على الشاشة على رغم اختلافات لاحظوها في بعض أجزائها وتفاصيلها. هل نقول لكل مقام مقال؟ هي «لعبة» أخرى، ولو كان «هيكلها» الأساس هو الرّواية الأدبية، فالحديث هنا يدور عن الصورة، والصورة شأن آخر.