قد يستغرب الداخل إلى قاعة مسرح الدراما في قرية «كاتارة» الثقافية في الدوحة، حيث قُدّم باليه سندريلا المشهور للموسيقي سيرغي بركوفييفلا والكاتب نيكولاي فولكوف لأربعة أيام متتالية، حين يراها مليئة عن آخرها، وخصوصاً من الأطفال والمراهقين. يدفعون ثمن بطاقات الدخول مبلغاً باهظاً. وينتظرون بحماسة في الصف الممتدّ إلى خارج القاعة، لتُختم بطاقاتهم ويخلون برفقة أهاليهم أو أخوتهم أو أحد أفراد العائلة. هم ليسوا كلهم أجانب كما يُهيّأ لنا بالنسبة لمتذوقي الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية والباليه، معظمهم من الجاليات العربية المقيمة في الدوحة ومن المواطنين القطريين. ومودي ابنة العاشرة واحدة منهم، كانت تنتظر في البرد الصحراوي القارس، للدخول ولقاء «الأمير الذي يبحث عن حبيبته الجميلة سندريللا»، كما قالت. وأضافت: «أحب الباليه كثيراً وأتمنى لو أرقصه يوماً كما يفعلون في أفلام ديزني». فنسأل أمها الواقفة بجنبها إن كانت ترضى بممارسة ابنتها الباليه وهي تعيش في مجتمع محافظ؟ فتقول: «هذه رغبتها وأنا لا أعارض رغبتها وموهبتها إذا كانت موهوبة، فالأطفال يجب أن يُفرّغوا طاقاتهم بالفن والرياضة... ليس بالضرورة أن تصبح مودي راقصة باليه تقدم عروضاً شبه عارية، ولكن يمكنها ممارسة هوايتها على الأقل». قد يكون في ما قالته أم مودي وجهة نظر، ولكن هل يمكن تأسيس أكاديمية للباليه في بلد محافظ لا يرضى أهله أن تظهر بناتهنّ بألبسة جريئة على المسرح؟ وإلى من تتوجّه هذه الأكاديمية؟ للأجانب المقيمين فقط، للكبار، للصغار؟ وكيف سيتعامل القيّمون عليها مع اللباس وعادات وتقاليد البلد الإسلامي؟ كل هذه الأسئلة فكّرت فيها ألبينا بيلوفا مديرة «أكاديمية إنانا للباليه» التي افتتحت ليل الأحد – الاثنين في الدوحة، بحضور حشد كبير من وزارة الثقافة القطرية وديبلوماسيين وممثلين للمدارس الدولية في الدوحة. وتتمتّع بيلوفا مصمّمة الرقص الحائزة ماجستير في تاريخ الرقص من أكاديمية سلوفينيا الثقافية في روسيا، بخبرة عالية في الرقص المسرحي الحديث في العالم العربي، نظراً إلى عملها لأكثر من عشرين سنة مع فرقة إنانا السورية التي أُسست في دمشق عام 1990. فهي أدارت هذه الفرقة مع زوجها مصمم الرقص السوري جهاد مفلح، ونجحا معاً في تقديم عروض لها تاريخ وشهرة واسعة في العالم العربي مثل «هواجس الشام 880»، و «أبناء الشمس» و «الملكة ضيفة خاتون» و «صقر قريش» و «حكاية بطل» وغيرها من الأعمال التي شاركت في مهرجانات العالمية. وتوسّعت أعمال الفرقة منذ نحو عشر سنوات لتصبح مجموعة إنانا للإنتاج والتوزيع الفني، مركزها قطر، وتعمل في مجال الأفلام والفيديو والمسرح والأوبرا والراديو والتلفزيون. واليوم تتوّج «إنانا» أعمالها، كما تقول ألبينا بيلوفا، بافتتاح أكاديمية تعلّم الرقص ولا تكتفي بعرض الرقص. وتشرح مديرة الأكاديمية، أنها وزوجها وإدارة إنانا المؤلفة من راقصين وموسيقيين وممثلين ومخرجين من مختلف الجنسيات، بحثوا من سنوات في تأسيس أكاديمية للباليه في الدوحة حيث يعملون منذ أكثر من عشر سنوات وحيث شاركوا في إنتاج مسرحيات راقصة وأوبريت أشهرها «وطن العلا» (2012)، وأخذوا في الاعتبار تفاعل القطريين والمقيمين مع العروض التي تُستقدم من الخارج، ومدى حاجة البلد إلى مؤسسات تعليمية فنية. وترى أن قطر اليوم تعتبر من الدول الرائدة في الرياضة والفن من خلال المشاريع التي تقوم بها مؤسسة قطر ووزارة الثقافة وهيئة المتاحف، متسائلة: «لماذا لا يكون هناك مدرسة لرقص الباليه كما هناك مدارس للموسيقى وأوركسترا وطنية؟». وأكدت أن الأكاديمية التي ستدرس إضافة إلى الباليه المتخصّص، الرقص الشرقي والشعبي والجاز والجمباز واليوغا والموسيقى والتمثيل، لا تتعارض موادها مع العادات والتقاليد القطرية أبداً. وأضافت: «القطريون منفتحون على الفنون ويشجعون أطفالهم على ممارسة هواياتهم واحتراف فنون كثيرة، والرقص واحد من هذه الفنون. فالإنسان يمكنه أن يطوّع العادات والتقاليد بشكل إيجابي، والناس هنا نجحوا في ذلك». أما عن توقعاتها وتفاؤلها باستقطاب الطلاب، فتقول بيلوفا إن «الناس بدأوا تسجيل أولادهم قبل الافتتاح ونحن متفائلون كثيراً، ولولا ذلك لما قررنا تأسيس أكاديمية احترافية على رأسها 9 أساتذة محترفين من الولاياتالمتحدة وسويسرا ولبنان وسورية وأرمينيا وروسيا». وتستقبل الأكاديمية الأولى من نوعها في قطر، الأطفال من سن ثلاث سنوات. كما تنظّم دورات كل 3 شهور لليافعين والراشدين، ينال المشاركون فيها شهادات من أهم مراكز الباليه في روسيا.