نشأت ماريا أرناؤوط على تعليم موسيقي جاد منذ الصغر، وتخرجت العام 2000 في «المعهد العالي للموسيقى» في سورية، إلى جانب حيازتها البكالوريوس في علوم الصيدلة. ولتميزها، نالت منحتين: الأولى من الكلية الملكية البريطانية، حيث حازت ماجستير في العزف المنفرد على آلة الكمان، إضافة إلى ماجستير في الموسيقى من جامعة مانهاتن، وظهرت مع فرق موسيقية عديدة على خشبات مسارح عالمية. تدير أرناؤوط حالياً «دار الأسد للثقافة والفنون»، الصرح الثقافي الأضخم في سورية. تقول أرناؤوط ل «الحياة» أن قرار تعيينها «المفاجئ والسارّ» جعلها تطرح على نفسها تساؤلات كثيرة حول «كيفية الارتقاء بهذا الصرح إلى المرتبة التي يستحقها»، فبعد إكمالها الدراسات العليا، عادت أرناؤوط إلى سورية لتصبح العازفة الأولى في الفرقة السيمفونية الوطنية، وأستاذة الكمان في المعهد العالي للموسيقى، ثم انضمت إلى الأوركسترا الفيلهارمونية القطرية كعازفة كمان، وترأست المجلس الممثل عن الفرقة فيها لمدة سنتين، كما بادرت إلى إنشاء مشروع «أوركسترا الأطفال والشباب السورية» وإدارته. تقول ماريا: «تعلمت الكثير من تجربتي في قطر، فالأوركسترا القطرية على مستوى عالمي في الحِرَفِيّة». أما عن مشروع أوركسترا الأطفال والشباب في سورية، فتقول أرناؤوط بضرورة «وجود جهة مستقلة تدعم عمل المعاهد الموسيقية وتقدم للأطفال مستوى تعليمياً جيداً، لا سيما في ما يخص العزف الجماعي والأوركسترالي، لأن أي مشروع تطوير للموسيقي في سورية لا بد أن يبدأ من عند الأطفال». وتضيف أن «الموسيقى تنمي القيم عند الأطفال، مثل روح التعاون والعمل الجماعي والانتظام والانسجام والإنصات والمثابرة، كما أنها تُغْنِي الخيال»، موضحة أنها طرحت المشروع على الأمانة السورية للتنمية، التي أطلقته العام 2008، ثم استقل عنها كمشروع غير ربحي العام 2009. تؤكد أرناؤوط أن هذا المشروع هو عمل جدي، يقدم تعليماً أكاديمياً على مستوى عال يتجاوز الترفيه والتسلية، «فالمشروع يضم مواهب حقيقية، باعتراف حتى الأساتذة الأجانب، الذين لفتتهم حماسة الأطفال، وهذا ما دفع بهؤلاء الأساتذة الأجانب، خصوصاً قائد الأوركسترا البريطاني هاورد ويليامز، إلى الالتزام بالمشروع والمثابرة على المجيء إلى سورية عاماً بعد عام». تبنت دار الأوبرا المشروع ودعمت دورته للعام 2010، وتستمر في دعم دورته الرابعة هذا العام، والتي تبدأ في 20 حزيران (يونيو) الجاري. كما تقدم الدار «مهرجان الطفولة والشباب» في شهر تموز (يوليو) المقبل، إذ سيتم إنتاج المسرحية الغنائية العالمية «أوليفر» للمرة الأولى في سورية، وهي مأخوذة عن رواية «أوليفر تويست» لتشارلز ديكنز، وسيشارك في العمل نخبة من الموسيقيين والمغنين السوريين، بالإضافة إلى جوقة من الأطفال يشارك فيها أطفال من دور الأيتام السورية. وأرناؤوط لم يشغلها العمل عن العزف على آلة الكمان، فشاركت مع فرقتها «مقام» ضمن فعاليات مهرجان «مساحات شرقية» الذي اختتم قبل أسابيع قليلة في دار الأوبرا. تقول إن عملية إيجادها التوازن بين عملها الإداري ورغبتها في العزف استغرقت وقتاً طويلاً، لكنها حققت هذه المعادلة أخيراً، وهذا ما يسعدها. وبالحديث عن المشاريع المستقبلية، تؤكد ماريا أهمية الاستمرار في الطريق الذي كانت الدار شقّته، وهو تقديم عروض محلية وأجنبية على مستوى من الاحتراف. وتلفت إلى أن عمر «دار الأوبرا» لم يتجاوز سبع سنوات بعد، وبالتالي فإن «مهمتي الأساسية تكمن في تطوير كل ما سبق والارتقاء بعروض الدار، خصوصاً أنها، من حيث المكان والتجهيزات والبناء، صرح فريد في المنطقة، يضاهي دور الأوبرا العالمية». وتحيي الدار حفلات موسيقية وعروضاً فنية على مدار العام، تتجاوز المئتي عرض. كما انضمت الدار حديثاً إلى «شبكة دور الأوبرا الأوروبية»، وهي تمثل، بحسب أرناؤوط، «فسحة تنتعش فيها الفنون الراقية، من موسيقى كلاسيكية وشرقية ورقص وغناء، في أجواء فنية سائدة أنهكتها الفضائيات والإذاعات بشتى ألوان الموسيقى الهابطة والتجارية». وتقول إن الدار ستواصل توثيق التراث الموسيقي السوري والعربي، من خلال سلسلة التسجيلات الصوتية التي تنتجها، وستضاف لها الآن سلسلة إصدارات خاصة ببعض الحفلات الحية المميزة التي تقام في الدار لتكون متاحة للجمهور الراغب باقتنائها. أما برنامج الدار لهذا العام، فهو «حافل ومتنوع»، إذ أُنتجت أوبرا لبوتشيني، ولاقت استحساناً كبيراً لدى الجمهور. وكانت الدار أنتجت أوبرا «زواج فيغارو» العام الماضي، إضافة إلى مهرجان «مساحات شرقية» ومهرجان «الطفولة والشباب» والعديد من العروض المسرحية والموسيقية والعمل الأوبرالي «الصوت الإنساني» للكاتب جان كوكتو والمؤلف فرنسيس بولينك في نهاية العام. وهناك حفلات عدة لعازفين عالميين في عروض منفردة وحفلات أوركسترالية، وعروض رقص متنوعة للفلامنكو والباليه الصيني وباليه مونت كارلو وفرقة نجوم روسيا للباليه على الجليد.