قصص تتناقلها الممرات، وتحفظ أروقة الأقسام تفاصيلها، وتدور في غياهب «المستشفيات» أحداثها. تسري في منتصف الليل حكايات أمهات وشقيقات المرضى «المرافقات» اللاتي تخلين عن «رفاهيات» الحياة عنوة، وغابت عنهن بعض من أهم «مقوماتها» للقيام على مريض أعجزه المرض عن الاعتماد على نفسه. يتحول قسم «التنويم» وبعد انتهاء وقت الزيارة اليومية، إلى مكان تجتمع فيه «المرافقات» حول وجبات الطعام التي يجلبها لهن الزوار، لتدور إحداهن على الغرف متفقدة من لم تستطع الحضور لحاجة مريضها إلى ملاحظتها وعدم قدرتها على مغادرته، لتحضر لها نصيبها من الطعام. وتتذكر أم خالد القحطاني لحظات مرافقتها لابنها المصاب بالسرطان بالدم قبل عامين، الذي توفي منذ سبعة أشهر، تقول: «في لحظات وجيزة كانت قلوبنا تتآلف وكأننا نعرف بعضنا من زمن طويل، نتشارك الأرق والخوف على المريض، وتتحد دموعنا على وفاة أحد المرضى كأنه ابن لنا جميعاً». وتضيف: «هناك من امتدت معرفتي بهن حتى اليوم، وأصبحن من أقرب الصديقات». وتختلف تجربة ليلى محسن (28 عاماً) المرافقة مع والدتها التي بقيت فترة طويلة في المستشفى بحكم مرض عضال رافق تقدمها في السن أيضاً، إذ كانت تقوم بالتغطية في مكان المرافقة التي تذهب لبضع ساعات للاطمئنان على أبنائها وغسل ملابسهم والعودة إلى المستشفى مرة أخرى. أيام قلائل وربما أشهر ومنهن من يصبح «المستشفى» بمثابة منزل ثانٍ لهن، ومنهن ليلى التي تصالحت مع أصوات الأجهزة واعتادت معدتها على وجباتهم الصحية، وأصبح الاستيقاظ الباكر أحد عاداتها المجبرة عليها، وفهمت بعض واجبات الممرضات، وحفظت ساعات جولات الأطباء، إذ تختلف فترة إقامتهن بحسب حال المريض الذي ترافق معه. لكن وجود منيرة صالح مع ابنها الذي تعرض لحادثة سير كان فرصة ثمينة للمتاجرة والترويج لبعض البضائع والمستلزمات النسائية، ليكون بعد انتهاء الزيارة الرسمية وقتاً مناسباً لرؤية معروضاتها من «المرافقات». ومنهن من تنتهي مرافقتها باحتفال توديع تشترك فيه ممرضات القسم والمرافقات من الأقسام القريبة، تعلق فيه البالونات وتوزع الحلوى لمناسبة التماثل للشفاء وانتهاء فترة التنويم، ومنهن من تستنفر دموع «المرافقات» لتغادر كسيرة «واحدة»، بعد أن كانتا «اثنتين»، إذ انتهى مشوار مرافقتها بعودتها إلى «المنزل» وحيدة وعودة مريضها إلى خالقه.