أول أفلام الإنترنت وسينماتها: من المستطاع إطلاق تلك الصفة على الفيلم السينمائي الأول الذي يزمع موقع «نت فليكس» Netflix (يوصف على نطاق واسع بأنه المستهل الفعلي لعصر تلفزيون الإنترنت)، إنتاجه وصنعه ثم بثّه عبر الشبكة العنكبوتيّة. ولعل تلك الخطوة الصغيرة التي أنجزها موقع «نت فليكس» في خريف عام 2014، هي القفزة النوعيّة التي طال انتظارها ليبدأ عبرها عصر سينما الإنترنت. وفي إعلان تردّدت أصداؤه في عوالم هوليوود، بيّن «نت فليكس» أنه اتّفق مع المخرج يين وو-بينغ على إنجاز الجزء الثاني لفيلم «النمر الزاحف والتنين المختبئ» (نال الجزء الأول جائزة الأوسكار في بداية القرن 21)، تحت عنوان «الأسطورة الخضراء» Crouching Tiger, Hidden Dragon: The Green Legend. وابتدأ تصوير الفيلم فعليّاً في نيوزيلندا. ويبثّ الفيلم حصريّاً عبر موقع «نت فليكس» في غرّة صيف عام 2015، بالتزامن مع عرضه في دور السينما التابعة لسلسلة «آي ماكس» IMAX العالميّة، وهي تشمل دولاً عربيّة كثيرة. ظاهرة تلفزيون الشبكة ربما أبعد من مصادفة أن يتزامن الإعلان عن أول الأفلام لسينما الإنترنت، مع بث المجموعة الكاملة لحلقات مسلسل «أصدقاء» («فريندز» Friends) الذي عرض في عشرة مواسم، وساهم في نشر ثقافة الحياة اليوميّة الأميركيّة، بل اعتبر من علامات العولمة الثقافيّة المعاصرة، منذ انطلاقته قبل عشرين سنة. والأرجح أن الموقع عينه سجّل في العام تكريس ظاهرة تلفزيون الإنترنت، بمعنى صنع فن مرئي- مسموع يمثّل الصفات الخاصة بشبكة ال»ويب» في التلفزة. وفي سياق ذلك الإنجاز، تحقّق أيضاً اندماج مسلسلات الإنترنت المتلفزة Internet TV Series الأصيلة مع أشرطة التحريك الإحيائي بالكومبيوتر Computer Animation. وفي العام المنصرم، أدخل موقع «نت فليكس» الإنترنت إلى قلب فن التلفزة التي كانت تحتفي بنفسها عبر الدورة ال65 ل»جائزة إيمي» Emmy Award الموازية لجوائز الأوسكار في فن السينما. وفي تلك الدورة، أضيفت جائزة لفن المسلسلات المصنوعة خصيصاً لتلفزة الإنترنت. وحصد موقع «نت فليكس» الترشيحات الثلاثة لهذه الجائزة عبر مسلسلات «بيت أوراق اللعب» House of Cards (فاز بالجائزة)، و «ممر هِملوك» Hemlock Grove و «تطوّر مقموع» Arrested Development. يصح القول بأن كثيرين سبقوا موقع «نت فليكس» في محاولة صنع تلفزة الإنترنت، لعل أوّلها محاولة شركة مايكروسوفت العملاقة تقليد البثّ المباشر للتلفزة عبر تغطية دورة الألعاب الأولمبيّة في «أتلانتا» عام 1996. وكذلك صُنِعت مسلسلات شبكيّة ك «أزواج» Husbands وهو مستمر منذ 2011. وصنع «نت فليكس» الفارق فعليّاًَ عندما استحدثت مؤسسة «إيمي» جائزة خاصة لمسلسلات تلفزة الإنترنت. يشبه ذلك القول بأن فيلم «البحث عن نيمو» (2003) كرّس فن أشرطة التحريك الإحيائي بالكومبيوتر، عندما استحدثت هوليوود أوسكاراً خاصاً لهذا الفن، ومنحته ل»نيمو». وقبل ذلك الفيلم، نالت مجموعة من أفلام الإحياء بالكومبيوتر أوسكارات السينما، بل حتى جوائز «غرامي» و «غولدن غلوبس» (مثلاً، فاز فيلم «حوريّة البحر» بأوسكار أفضل غناء موسيقي في 1989)، لكن الاعتراف بهذا الفن تكرّس مع استحداث أوسكار لهذا الفن، ناله «نيمو». والأرجح أن مسلسل «بيت أوراق اللعب» شكّل لتلفزة الإنترنت، ما مثّله «نيمو» لأفلام الإحياء بالكومبيوتر. أصداء عربيّة أيضاً استطراداً، يصح القول بأن موقع «يوتيوب» استطاع أن يكون أرشيفاً شبكيّاً للتلفزة، إضافة إلى أشياء أخرى لا تحصى، لكنه لم يصنع فنّاً بصريّاً خاصاً للشبكة العنكبوتيّة. استطراداً، ساهم نجاح «نت فليكس» في تحفيز كثير من شباب العرب على صنع مسلسلات مخصّصة للإنترنت، مع ملاحظة أنهم عرضوها غالباً عبر «يوتيوب» وروّجوا لها عبر المواقع الاجتماعية، خصوصاً «تويتر». ويعطي هذا الأمر ملمحاً عن التشابك في صورة الفن البصري على شبكة الإنترنت راهناً. ما الذي ميّز مسلسل «بيت أوراق اللعب»؟ فيما أصرّ فن التلفزة على عرض المسلسلات الحلقة تلو الأخرى، وُضِعَت الحلقات ال13 ل «بيت أوراق اللعب» سويّة على الإنترنت، ما أوصل إلى أصابع الجمهور الشبكي خاصيّة لا تعطيها لهم سوى الإنترنت: أن يتمتع الناس على تشكيل رؤيتهم للفن المرئي- المسموع المتلفز، بما يتلاءم مع ذوق كل منهم بصورة إفراديّة. من المستطاع مشاهدة الحلقات كلها سويّة، أو التفرّج عليها بأي طريقة تناسب المُشاهد الشبكي وذوقه ووقته ومعطياته وغيرها. إنّه تغيير ضخم أحدثه موقع مُفرد، بعد طول تخبّط في أنساق البث عبر الإنترنت منذ عام 1997، ما يتيح الحديث عن ولادة قويّة لتلفزيون الإنترنت. وبذا، أعطى موقع «نيتفليكس» نموذجاً عن تلفزيون الإنترنت، بالصورة التي تبلور فيها في العقد الثاني من القرن 21.