- رداً على مقالة الكاتب خالد السعيد المنشورة الثلثاء 24 كانون الأول (ديسمبر) 2013، بعنوان: «الفقهاء والنساء» أتابع مقالات صحيفتي العزيزة «الحياة» دائماً، وأجد كثيراً ما يعجبني، وما أتقاطع معه، وما أحبه، وما أغار منه، وكثيراً ما أجد ما أغبطه، لكن في النادر أن أجد ما يستفزني، وعلى أية حال، فإن الشيء المستفز لا يشترط أن يكون سيئاً، ولكنه قد يكون غير متخصص وغير دقيق، وفي هذه النقطة أودّ أن أناقش مقالة الكاتب خالد السعيّد. أكثر المثقفين الذين يتعرضون للقضايا الدينيّة هم من العوامّ، وصفة العامّي في الاصطلاح الفقهي ليست صفة ذمّ، بل هي تطلق على من لم ينشغل بالاختصاص الفقهي، ولم يتفقه على الأصول الفقهية قبل أن يمارس الفتيا، وقبل أن يمارس نقد الفتيا، وقبل أن يمارس نقد التفقه أو حتى نقد الفقه. ومما يدل على أن لفظ العامي ليس عيباً، أن الإمام العظيم المالكي الشاطبي كان ينص في فتاواه على أنه «مقلد في المذهب المالكيّ»، وأنه «عامي في المذاهب الأخرى غير المذهب المالكي»، وهذه فائدة جليلة أحسب الكاتب خالد السعيد ومن كان على شاكلته ممن يتابعون الجدل حول الفتاوى والقضايا الفقهية المعاصرة سيستفيدون من هذه المعلومة جداً، إن أرادوا الفائدة. ولهذا، فإن المحدّث أو عالم القراءات أو المفسّر أو الأصوليّ أو النحويّ أو حتى عالم الفلك أو عالم القانون الغربي أو المتخرج من العلوم السياسية، يمكن أن يكون «مقلداً» في الفقه، ويمكن أن يكون عامّياً أيضاً، لسبب بسيط هو أن عدم الاتصاف بهذه العلوم كلها يجعلك عاميّاً فيها، كما لا يجعلك عالماً بها، إلا إذا بلغت مرتبة العالم، وليس لهذا الأمر علاقة بالعبقرية ولا بمعدل الذكاء، ولهذا فعندما يقدم العبقري الذي لم يدرس مسألة واحدة في الرياضيات على مدرس رياضيات على انتقاد علم الرياضيات، فسيقع في أخطاء، ليس سببها قلة ذكائه أو انعدام عبقريته، ولكن سببها أنه لم يتلق أياً من أساسيات هذا العلم على المتخصصين فيه. الكثير من المثقفين حين يكون سبب شكواه إشكالات تولدت لديه من مسائل الفتيا في بلادنا المباركة يظن أن الإشكالية جاءت من الموروث الفقهي، أو من فهم الفقهاء للنصوص، وهم لا يفرقون بين مسائل القضاء ومسائل الفتيا ومسائل الفقه، فالفقه علم ثابت مبني على أصول ثابتة لا يمكن أن يتزحزح، وله منهج في التلقي مثله مثل كل العلوم، وأما القضاء والفتيا، فهذه نقدها مجال آخر لا علاقة حتمية بينه وبين مراجعة الموروث الفقهي. الفقه يعطي القارئ اتساعاً في الصدر عند الخلاف، ويعطيه تقديراً لمن سبقه من أهل العلم، ويؤهله إلى تفهم النصوص تفهّماً متسقاً مع مراد من تكلم بالنص وهو الله ورسوله، ومتسقاً مع متطلبات العصر، ويجعل له أصولاً ثابتة لا يتناقض عندما يتعامل بها مع الوقائع والقضايا المعاصرة، كما أنه يؤهل المتفقه عندما يتجاوز مرحلة المقلد والعامي إلى مرحلة الاجتهاد المطلق، فيصبح باستطاعته استخراج الحكم مباشرة من نصوص الكتاب والسنة من غير واسطة، ومن غير أن يكون ملزماً باتباع أي من المجتهدين الآخرين، وعندئذ يحرم عليه التقليد، ويحرم عليه أن يأخذ برأي غيره في الفقه، وهي مهمة جليلة تحتاج إلى من هو أهل لها، فمن لها؟ [email protected]