عاد عناصر شرطة المرور في الفلوجة إلى الشوارع أمس، على رغم استمرار المسلحين المناهضين للحكومة في السيطرة عليها، في وقت بلغ عدد النازحين من المدينة أكثر من 13 ألف عائلة. وانتشر عناصر شرطة المرور في ستة مواقع، على الأقل وسط الفلوجة (60 كلم غرب بغداد)، فيما انتشر مسلحون ملثمون في الوقت ذاته عند مداخل المدينة وفي أحيائها الداخلية وقرب الجسور والمقرات الرئيسية فيها. وعادت السيارات لتجوب شوارع المدينة التي سقطت في أيدي مقاتلين مرتبطين بتنظيم «القاعدة»، السبت الماضي، في وقت فتحت محلات تجارية أبوابها أمام الزبائن وفضلت أخرى البقاء مقفلة. وقال شهود إن اشتباكات وقعت فجراً في حيي العسكري (شرق) والشهداء (غرب) على مدى قرابة ساعة بعد تعرضهما لقصف، من دون ذكر مزيد من التفاصيل. وخسرت القوات الأمنية العراقية السبت الفلوجة بعدما خرجت عن سيطرتها ووقعت في أيدي مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لتتحول من جديد إلى معقل للمتمردين المتطرفين بعد الحربين الأميركيتين اللتين هدفتا إلى قمع التمرد فيها في 2004. وعززت القوات العراقية استعداداتها العسكرية قرب الفلوجة، بعد يومين من قول مسؤول حكومي إن «القوات تتهيأ لهجوم كبير في الفلوجة»، فيما دعا رئيس الوزراء نوري المالكي عشائر وسكان الفلوجة إلى طرد «الإرهابيين» لتجنيبها الهجوم. غير أن المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع الفريق الركن محمد العسكري استبعد اقتحام المدينة «الآن». وإضافة إلى الفلوجة، سيطر المسلحون الموالون لتنظيم «القاعدة» على أجزاء من الرمادي (100 كلم غرب بغداد)، وتمكنت القوات الحكومية، مدعومة بمسلحي العشائر، من استعادة معظمها. وقال ضابط في الشرطة برتبة نقيب إن قوات من الجيش تدعمها مروحيات خاضت ظهر أمس اشتباكات مع مسلحين في منطقة الخالدية شرق المدينة. وجاءت هذه الاشتباكات بعد ساعات قليلة من دعوة الناطق باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف اختصاراً باسم «داعش» الشيخ محمد العدناني سنة العراق الذين يقاتلون القوات الحكومية إلى عدم إلقاء السلاح. وقال في تسجيل صوتي نشر على مواقع تعنى بأخبار الجماعات الجهادية «يا أهل السنة لقد حملتم السلاح مكرهين (...) فإياكم أن تضعوا السلاح فإن تضعوه هذه المرة فلتستعبدون لدى الروافض ولن تقوم لكم قائمة بعدها». وتعد المعارك التي تشهدها محافظة الأنبار التي تتشارك مع سورية بحدود تمتد لنحو 300 كلم، الأسوأ منذ سنوات كما أنها المرة الأولى التي يسيطر فيها مسلحون على مدن كبرى منذ اندلاع موجة العنف الدموية التي تلت الاجتياح الأميركي عام 2003. ويشكل خروج الفلوجة عن سلطة الدولة حدثاً استثنائياً نظراً إلى الرمزية الخاصة لهذه المدينة التي خاضت معركتين شرستين ضد القوات الأميركية في عام 2004. وكان الهجوم الأميركي الأول الذي هدف إلى إخضاع التمرد السني في المدينة، شهد فشلاً ذريعاً، ما حول الفلوجة سريعاً إلى ملجأ لتنظيم «القاعدة» وحلفائه الذين تمكنوا من السيطرة وفرض أمر واقع فيها. وقتل في المعركة الثانية حوالى ألفي مدني إضافة إلى 140 جندياً أميركياً، في ما وصف بأنها المعركة الأقسى التي خاضتها أميركا منذ حرب فيتنام. وقتل في المعارك الدائرة قرب الفلوجة وفي الرمادي منذ أكثر من أسبوع نحو 250 شخصاً، على ما أفادت مصادر رسمية، فيما تواصل عشرات العائلات النزوح من هاتين المدينتين بسبب الاشتباكات والقصف والنقص في الوقود والكهرباء. وقد أعلنت جمعية الهلال الأحمر العراقي في بيان أمس أن المعارك الدائرة قرب الفلوجة وسيطرة المسلحين الموالين لتنظيم «القاعدة» عليها تسببت في نزوح 13 ألف عائلة حتى الآن. وأوضحت الجمعية في بيان أن «عدد العائلات النازحة من المدينة بلغ أكثر من 13 ألف عائلة، نزحت من الفلوجة إلى أطرافها وتسكن حالياً في المدارس والأبنية العامة ولدى الأقارب». وأضاف البيان أن «فرق الإغاثة للهلال الأحمر العراقي استطاعت الدخول إلى الفلوجة وتوزيع مساعدات غذائية وإغاثية على عدد كبير من العائلات على رغم الظروف الأمنية الصعبة». وتابع «تمكنت فرقنا من تقديم مساعدات لأكثر من 8 آلاف عائلة خلال الأيام الثلاثة الماضية في مختلف مناطق محافظة الأنبار». من جهته، أعلن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف في بيان أمس أن المنظمة «تعمل (...) لضمان مرور آمن لوصول المساعدات الإنسانية وإمدادات الطوارئ إلى الأسر التي تقطعت بها السبل والأسر النازحة، على حد سواء، في محافظة الأنبار». إلى ذلك، قتل عشرة أشخاص أغلبهم من عناصر الشرطة في هجمات متفرقة استهدفت بغداد وسامراء (110 كلم شمال بغداد) وتكريت (160 كلم شمال بغداد) وتلعفر (360 كلم شمال بغداد)، على ما أفادت مصادر أمنية وطبية.