شرر يتطاير يميناً ويساراً. دخان كثيف يخرج من فتحتي أنف ضخمتين، كأنه يخرج من قدر حمم مشتعل أو مرجل متوهج، فضلاً عن عشرات الأزواج من أعين صغيرة محملقة وأفواه صغيرة مفتوحة على اتساعها باندهاش وعقول غضة لم تلوثها تقلبات الحياة وأجساد نحيلة متراصة على مقاعد طويلة دائرية رصت في شكل موازٍ أمام فضاء قلعة قايتباي الأثرية العتيقة. تتابع الأعين الصغيرة بتركيز كبير، وحش كومودو الرهيب الدموي ينفث النار من فمه محاولاً أن يأسر الأفعى العملاقة ناغا بيدوها، والتي تحمل الأرض فوق رأسها، وتكاد تلقيها بالبحر، يتدخل باترا غورو لينقذ بناته على الأرض. تتصاعد أحداث القصة والكل يتابع بشغف حركات العصي وسحبات الخيوط الشفافة المحركة الشخصيات، والإضاءة تفعل فعلها السحري الأثير فتوقف الزمن أو تعجّل فيه، وتنقل الأحداث من سومطرة إلى جاوة وسولاوسي. تنفعل الأجساد النحيلة، تقفز وتدور مكانها، تتحرك نحو خشبة المسرح بانفعال أو تتلوى مع الموسيقى الإندونيسية التراثية الحماسية الإيقاعية المعتمدة على إيقاعات الطبول ودقات الدفوف وخبطات الأقدام المتواترة مع الآلات الإندونيسية القديمة. حالة من التماهي الفني والتواصل الإنساني والتلاقي الثقافي بين حضارتين ضاربتين بجذورهما في عمق الزمن احتضنتها منطقة الأنفوشي القديمة حيث قلعة قايتباي الأثرية العتيقة (غرب الإسكندرية) التي أقيم في رحابها عرض مسرح عرائس إندونيسي يقام للمرة الأولى في مصر، في إطار تشجيع التبادل الثقافي والحضاري والتعريف بالثقافات المختلفة. يقول مخرج العرض وا وان: «نقدم عرضاً هو قصة حب بين راما وسندا وهي قصة تراثية شعبية تشكل فيها الطبيعة الملونة حجر الزاوية في الأحداث، ويمر الحبيبان بالكثير من الأخطار حتى يجمع الله شملهما، وقصة أخرى عن التنين كومودو الشهير الذي يحارب باتراغورو، وهي من قصص التراث القديمة». ويؤكد مخرج مسرح العرائس الإندونيسي سعادته لإقامة هذا العرض للمرة الأولى في مصر للقائه عدداً من صناع مسرح العرائس المصريين، وتعرفه إلى تقنية تحريك العرائس، والذي لا يبتعد كثيراً عن التكنيك الإندونيسي، إلا أن الأخير يميل أكثر إلى استخدام العصا في تحريك العرائس بينما في مصر يميلون إلى الخيوط الرقيقة. ويلفت ني هيو، وهو أحد المشاركين في العرض، إلى أن التنين هو من الأيقونات الشهيرة في الثقافة الإندونيسية، لافتاً إلى ملاحظته أن التنانين في الشرق عادة ما تكون خيرة، في حين أن التنانين الأوروبية الغربية تكون عادة حاقدة وإن كان هناك بعض الاستثناءات. وعن رمزية التنين يقول إنه يرمز إلى الحكمة والقوة والتفاؤل. ويوضح هيو أن التعامل مع الأطفال يحتاج إلى طريقة خاصة، و «هم سريعو التأثر بكل ما يقدم لهم من قيم وأخلاقيات. الأطفال المصريون عيونهم ذكية لماحة تفيض عذوبة ودهشة».وعبّر عن سعادته بتقبل الأطفال العرض وتفاعلهم مع الموسيقى والمؤثرات الخاصة المصاحبة للعرض.