رغم التطور المتتابع الذي تشهده الفنون المختلفة، لايزال مسرح العرائس محافظا على جمهوره من الكبار والصغار، وتزدحم صالات عروض مسرح العرائس بالأطفال والعائلات كل يوم، ورغم أن العرائس فن تقليدي يعتمد على الخشب والقماش والخيط والمهارة الشخصية، إلا أنه أثبت أنه الأقدر على إيصال الأفكار للبراعم الصغيرة. يقول فنان العرائس سيد رستم "أعمل في هذه المهنة منذ 17 عاما، ومنذ البداية أحببت هذه المهنة، لأنها تعتمد على الخيال، ولأنها تمكنك من تخريج كل مشاعرك وأحاسيسك عن طريق دمية، وأضاف أن الممثل العادي يقف أمام الكاميرا ويمثل، ولكن العروسة تنقل إحساس الفنان بأدوات بسيطة كالخيط والأسلاك. وعن أطرف المواقف التي قابلها قال "كنت في أحد العروض أقدم شخصية معينة، ونظرا لأننا نعمل في الظلام أخذت العروسة ودخلت إلى المسرح بسرعة، ففوجئت بضحك الجمهور، وبسرعة اكتشفت أنني أحمل عروسة "حمار"، فاضطررت عندها للتعامل مع الموقف بشكل كوميدي حتى انتهى المشهد، فعدت بعد ذلك بالعروسة الحقيقية". ويرى سيد أن فنان العرائس يجب أن يحب المهنة، وأن يكون قادرا على التخيل، ولديه قدرة على الإحساس العالي، ونقل الإحساس للعروسة . ويؤكد أن لفن العرائس جذورا فرعونية، يقول "لهذا الفن جذور فرعونية، وتوجد في متحف اللوفر بباريس عرائس أثرية عليها خيوط، مما يدل على أنها عرائس كان يتم تحريكها، وفي عام 1959 تجمعت مجموعة من المصريين الذين أحبوا هذا الفن ومنهم صلاح السقا وراجي عنايت، فأحضروا خبراء من رومانيا وروسيا والتشيك، وكونوا الفرقة المصرية، وكان جمال عبدالناصر يحب الفن، فمنح الفرقة مكانا لإنشاء مسرح القاهرة للعرائس الموجود في حي العتبة الآن. وحول شعوره وهو يعمل خلف الستار بينما الممثل العادي يعمل في الأضواء ويحصد النجومية قال ""عملت في برنامج "عالم سمسم" وتدربنا على أيدي خبراء من أمريكا، فأخذوا منا 6 أفراد في بعثة تدريبية هناك، فرأينا في أمريكا كيف يعامل فنان العرائس، فهو يعامل كالنجم المشهور، الكثيرون يعتقدون أن العرائس للصغار، ولكن في إيطاليا ورومانيا والتشيك يقدمون عروضا خاصة للكبار بالعرائس". وعن مزايا مسرح العرائس قالت الممثلة بمسرح القاهرة للعرائس نشوى إسماعيل "مسرح العرائس الخيال به أوسع من أي مجال آخر، فهو المجال الوحيد الذي يتيح لك لو أردت أن تنزل البحر أو تحلق في السماء، وهو المسرح الوحيد الذي لا تجسد فيه فقط دور إنسان، ولكنه يتيح لك أن تشخص أكثر من حالة، فيمكنك مثلا أن تكون نباتا أو حيوانا أو نجمة في السماء، وذلك يتيح للفنان مساحة أوسع للإبداع، كما يتيح فرصة أكبر للتأثير في المتلقي". وأضاف أن من الشخصيات المؤسسة لفن العرائس في مصر الفنان صلاح السقا والد الفنان أحمد السقا، وأن من شخصيات العرائس الشهيرة دبدوب الكسلان، وبقلظ، وبوجي، وطمطم، وهي شخصيات صنعت وجدان الأطفال على مدى سنوات. وحول كيفية رفد هذا الفن بكوادر جديدة قالت نشوى "نحن نعتبر آخر جيل من فناني هذا المسرح، وهو فن يحتاج إلى كوادر جديدة بصفة مستمرة، ومنذ خمس سنوات أعلنا عن مسابقة لاختيار فنانين لمسرح العرائس، وتقدم حوالي 120 من الجنسين، وبعد التصفيات نجح منهم 30 شخصا فقط، وكلما احتجنا فنانين نعلن عن مسابقة جديدة". وعن مصاعب العمل في مسرح الدولة عموما ومسرح العرائس خاصة قالت نشوى "الصعوبات تتركز في شقين، الأول هو ضعف التقدير المادي للفنانين عموما، وتحديدا فنان العرائس، هناك تجاهل .. ، كانوا يعتبروننا من الدرجة الثانية، رغم أن لدينا القدرة على تقديم الأداء العادي، إضافة إلى تحريك العرائس، وهو ما لا يتوفر في أي فنان". وأشارت إلى أنه إلى وقت قريب كان فنان العرائس يحصل على نصف مكافأة أي فنان آخر، ولكن وزير الثقافة عماد أبو غازي عندما علم بالأمر اعتمد لنا المكافأة كاملة. وأضافت نشوى أن "الشق الآخر أن مسرح الدولة يعاني من قلة الدعاية، ولا يوجد به اهتمام كاف بالجانب الإعلامي والدعائي، لقد اقترحت على إدارة المسرح عمل بروتوكول مع شركة الكهرباء نقدم بواسطته إعلانا على فاتورة الكهرباء ، يوضح الأسعار، فالناس يتصورون أن أسعار المسرح مرتفعة، وأن التذكرة تصل إلى 150 جنيها، وهذا خطأ فسعر التذكرة لدينا عشرة جنيهات، والمسرح الذي نقدمه أفضل من السينما، لأننا أقدر على إيصال الأفكار الهادفة". وترى نشوى أن فنان العرائس يجب أن يتميز بحس فني ولياقة بدنية، وأن يكون صوته جيدا، لأن ذلك سيساعده إذا سجل صوتا لشخصية معينة، تقول "في المسرح نحن في تدريب مستمر، لأن فن العرائس يحتاج إلى ممارسة مستمرة، وإذا جلس الفنان مدة دون تحريك عروسة سيشعر بصعوبة عند استخدامها مرة ثانية". وحول صنَّاع العرائس قالت " الأدوات التي تستخدم في صناعة العروسة القماش والخيط والخشب والإسفنج، وهناك نحاتون مختصون بصناعة العرائس، ولدينا خوف شديد على هذه الحرفة من الانقراض ..، من هنا فإن على الدولة أن ترعى هؤلاء الحرفيين، وتدربهم حتى يقدموا أفكارا جديدة "، مشيرة إلى وجود ورشة مصغرة في المسرح لصناعة العرائس، حيث تصنع من العروسة نسخة واحدة، وفقا للدور الذي تؤديه. وأكدت نشوى أن الكبار ينبهرون أيضا بفن العرائس، وأن " الكبار يأتون بصحبة أطفالهم ، وينبهرون بالعرض، ويعجبون بالمباديء التي يقدمها، ويؤثر العرض بهم أكثر من تقديم النصيحة بشكل توجيهي" . وترى أن هناك ندرة في الإمكانات الفنية والإبداعية في فن العرائس، وانتقدت في ذات الوقت استنساخ نجاح العروض، وعدم الحرص على الابتكار والتجديد.