ليست المهارات الحركية الموحية والأداءات الميتافيزيقية الخلابة والتناغم الإيقاعي النوعي بين راقصين من مختلف الثقافات، العامل الجاذب لجمهور من مختلف الفئات والثقافات شارك في مهرجان «نسيم الرقص» الذي استضافته الإسكندرية على مدار خمسة أيام، إنما هي الحالة الإبداعية الملونة المتدفقة التي أحاطت بالفنانين والعروض والأماكن التي امتزج فيها الفنانون مع المدينة بحيويتها وإشعاعها مكتشفين تجربة جديدة خلاقة دفعت البيئة لتحويل عروضهم الفنية إلى كائن حي ارتبط بالأجواء الكوزموبوليتانية التعددية للمدينة. وسلّط المهرجان الضوء على مشاريع الرقص المعاصر في الأماكن المفتوحة من خلال دعوة الفنانين للإبداع في الأماكن العامة والتراثية، ولمناقشة موضوع الفن عبر عدد من الورش التعليمية والندوات المتخصصة التي ناقشت ثقافة الرقص المعاصر وتاريخه وانتشاره ودلالاته السيميولوجية من حيث المعنى الرمزي الذي يرمي إلى تطبيق أخلاقي. اللافت في عروض المهرجان تألق الحركات والإيقاعات المعاصرة التي شكلت لوحات تناغمت فيها الأنواع والاتجاهات الموسيقية بحيث سمح الاحتكاك بتبادل الخبرات واكتساب تقنيات لم تكن معروفة. ويقوم المهرجان على دعوة عدد من مصممي الرقص من مصر وأوروبا لتولي أماكن عامة في الإسكندرية تختص بالثقافة والفنون، وأماكن أخرى لها أهميتها بالنسبة إلى هوية المدينة الكوزموبوليتانية التي يعاد اكتشافها من خلال تلك الرؤى الفنية التي نتجت منها عروض مشتركة بين محترفين وهواة قاموا بجولات فنية في الأماكن المختلفة القديمة والحديثة ما فتح منظوراً جديداً لاكتشاف هوية المدينة. ومن هذه الأماكن المركز الثقافي الفرنسي وشارع النبي دانيال، مكتبة الإسكندرية في منطقة الشاطبي الأثرية وورشة المراكب في الأنفوشي، شاطئ منطقة المنشية وسطح سينما ريو العتيقة. من المشاركين في المهرجان فرقة فريدريك جيز والتي قدمت عرض «Seven thirty in tight»، و «Falling Bodies» مع مصمم الرقصات محمد فؤاد. ويجسد العمل تواصلاً حسياً بين إيماءات الرقص والصوت إذ يشكّل الأخير إمتداداً لحركة الجسم ومحطة تأمل في رحلة تمتد من الشدة إلى الراحة. وأشاد جمهور الحاضرين بالعرض الذي اجتاحته حماسة المشاركة فاستطاع الفريق بحركاته المتسقة المتزامنة التجول في أفق عالمنا المعاصر والهموم الإنسانية لشباب الجيل ما دفع الجمهور إلى المطالبة بإعادة العرض. كما قدم فريق كلاوديو كورتشيوتي بأزيائه الزاهية عرض «Set Electro» الذي أثار إعجاب الجميع، كما قدمت مصممة الرقص شيماء شكري عرضي «Borders» و «Multimedia» واستطاعت التعبير بصدق وقوة عن فورة الأحداث الثورية التي تتلاحق في المنطقة العربية. ويقول مصمم الرقص الفرنسي فليناوي تادو ل «الحياة»: «أرسم الرقص في أعمالي التشكيلية، وأرقص بالجسد، وأخرج بتفكيري على الجسد، فتلك هي أدواتي. واعتبر التجربة مثمرة وتعطي الفنانين الجدد من الشباب ثقة ودفعاً لمزيد من الإبداعات، خصوصاً مع تقديم الإبداعات الفتية أمام جمهور كبير من العالم». وترى آن لوبيتار مديرة فرقة Nihilo أن الرقص فن للجميع ويضمن التواصل الحسي بين الجمهور والمشاركين. ويشكل المهرجان من وجهة نظرها تظاهرة ثقافية فريدة يلتقي فيها الجميع في لغة واحدة فهمها الجميع، واتفقوا على كل أبجدياتها، فتحول الرقص أداة تعبيرية عن اختلاف الأفكار وتلاقح الرؤى والثقافات بعيداً من الكلمات ليفسح في المجال لحواس المشاركين وأجسادهم وآذانهم للاستمتاع بوحي الفكرة حيناً ووحي الموسيقى أحياناً أخرى. وترصد لوبيتار التطور النوعي لذائقة المتلقي العربي الفنية، علماً أن تفاعل الجمهور وتقبله أدهشاها كثيراً. وتوضح أن الرقص المعاصر يعرف ب «فن الخطوة»، وهو ثورة نسائية محضة ابتكرتها النساء عقب الحرب العالمة الثانية إذ استخدمن الرقص كأداة تعبيرية عن مشاعرهن ونقمتهن على الظروف القاسية التي تعرضن لها على مدى العصور.