يشكل الدعم الأميركي لخطة الحكم الذاتي في الصحراء حافزاً جديداً أمام أطراف النزاع لتجاوز الخلافات. واللافت أن التوصيف الصريح لمفهوم الأطراف المعنية، وليس الطرفين فقط، يعتبر تطوراً لناحية إضفاء بعد إقليمي، على نزاع بدأ ثنائياً وتطور في اتجاهات عدة. ويحسب للموفد الدولي كريستوفر روس أنه اهتم منذ الوهلة الأولى لتسلمه الملف بامتزاج مواقف الأطراف الإقليمية، واجتمع لهذا الغرض مع الأمين العام للاتحاد المغاربي في سابقة أولى. كما حرص على إشراك أطراف أوروبية، في مقدمها إسبانيا وفرنسا في جهوده الرامية لإقرار حل سياسي نهائي. في خلفيات النزاع أن نقاط الضوء التي مكنت من إحراز بعض التقدم، ارتبطت دائماً بحدوث انفراج على صعيد العلاقات المغربية – الجزائرية التي توجت بإبرام معاهدة الاتحاد المغاربي بدوله الخمس. بل إن وقف النار الذي ينظر إليه كأكبر إنجاز أنهى حرب الصحراء في مطلع تسعينات القرن الماضي، ما كان له أن يتحقق لولا دعم الجزائر التي كانت مدافع «بوليساريو» تنطلق من أراض واقعة تحت النفوذ الجزائري. وإذا كان الشطر الثاني والأهم في صيرورة الأحداث تعطل أمام صيغة التسوية السلمية الممكنة نظراً لتباين وتباعد المواقف حيال مرجعية الحل السياسي، فإن الموقف الذي عبر عنه الرئيس باراك أوباما، لجهة اعتبار خطة الحكم الذاتي اقتراحاً جاداً وواقعياً وذا صدقية، يدفع في اتجاه حض الأطراف على تقديم تنازلات تحوله من اقتراح يوجد على طاولة المفاوضات إلى مرجعية سياسية وقانونية واجتماعية وإنسانية تكفل إنهاء التوتر. منذ البداية تردد أن أفضل حل للنزاع الإقليمي، بعد أن سكتت أصوات المدافع التي قادت إلى سيطرة كاملة للقوات المغربية على الوضع في ساحة الميدان، يكمن في بلورة مصالح تصور يستند إلى قاعدة: «لا غالب ولا مغلوب»، أي عدم حدوث أي تغيير على خرائط المنطقة وحدودها. وصادف أن الموفد الدولي السابق بيتر فان فالسوم خلص إلى أن استقلال إقليم الصحراء «ليس حلاً واقعياً». وجاءت خلاصاته في اختتام جولات مفاوضات مباشرة وعسيرة بين الأطراف المعنية. وإذ يرى المغرب أنه لا يمكن لأي مفاوضات قادمة أن تنطلق من نقطة الصفر، طالما أن موقف الموفد الدولي يعتبر وثيقة رسمية لدى مجلس الأمن, فإن المبعوث روس انحاز إلى صيغة هادئة، وزعها على نحو تدريجي، تبدأ من مفاوضات الطرفين المغرب و «بوليساريو». ولا تكون نتائجها سارية المفعول إلا في نطاق وفاق إقليمي، أي عبر مشاركة الطرفين المراقبين الجزائر وموريتانيا. وتبدو الصيغة مرنة وقابلة للتحقيق. إذ إن جذب البلدين الجارين إلى مربع التفاهم، في إمكانه دائماً أن يحظى بدعم واسع النطاق على الصعيدين الإقليمي والدولي. عدا أنه يفسح في المجال أمام قيام مناخ يساعد في تلمس معالم الحل النهائي لنزاع قارب عقده الرابع، وأهدر طاقات المنطقة بلا طائل. لا يبدو أن الرئيس أوباما أرفق دعمه لخطة الحكم الذاتي بالاهتمام بتفعيل الاتحاد المغاربي اعتباطاً. فقد دعا إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الملتهبة، بخاصة في إطار اتحاد مغاربي قوي ومنتديات إقليمية أخرى. أي وضع التهديدات الأمنية والتحديات المتراكمة في الانتقال الديموقراطي وإشاعة روح التضامن والوفاق في مرتبة واحدة. ومن الطبيعي أن فضاء مغاربياً هشاً وضعيفاً في البنيات ومبادرات التنسيق والتكامل، لا يساعد في التغلب على التحديات المتمثلة في مخاطر الإرهاب والتطرف والانفلات الأمني. وإذا كانت توجهات واشنطن نحو أفريقيا باتت ركناً محورياً في الالتزامات الأميركية والتوازنات الإقليمية، فإن حلحلة الأوضاع في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، أصبحت تفرض نفسها على الشركاء المعنيين في المقام الأول. وبعد أن كانت بلدان الاتحاد الأوروبي تنادي بقيام تعاون إستراتيجي عند مدخل القارة الأفريقية، دخلت واشنطن على الخط، ليس من أجل مزاحمة النفوذ الأوروبي الذي يعتبر الشمال الأفريقي مركزاً حصرياً على علاقاته التاريخية والاقتصادية والسياسية، ولكن من أجل إقامة سياج واق من تغلغل الحركات الإرهابية ومظاهر التطرف عابر القارات. وكما أن الجزائر تراهن بدورها على قيام حوار إستراتيجي مع الشريك الأميركي، فإن التوازن الذي فرض نفسه، من خلال غياب معادلة الوفاق المغربي – الجزائري، في إمكانه أن ينتج منظومة علاقات جديدة، لا يكون فيها الانفتاح على المغرب على حساب الجزائر، ولا يكون التفاهم مع الجزائر على حساب المغرب. لكن ذلك يبقى رهن توازن في وسع البلدين الجارين أن يعملا من أجله. فلا أحد منهما يستطيع تغيير خريطة الجوار الجغرافي. ولكنهما معاً يقدران على تصحيح حركة الجوار التاريخي والسياسي. وما دامت قضية الصحراء شكلت مركز الثقل في إعاقة أي انفراج، فإن البدء في تفكيك خيوطها أصبح رهاناً مطلوباً إقليمياً ودولياً. ولا يعني الدعم الأميركي لخطة الحكم الذاتي، سوى أن الأطراف كافة مدعوة لإيجاد بدائل تقرب بين المواقف. وحين يعاود روس جولته الاستكشافية الجديدة، سيجد أن الطريق نصف معبدة، في حال اهتدى أهل المنطقة المغاربية إلى تفاهم غاب عقوداً طويلة، لكن شعاعه لم يخفت بعد.