عاجلاً أو آجلاً سيعود أطراف نزاع الصحراء الى طاولة المفاوضات لأن لا بديل منها لتسوية توتر إقليمي طال أمده لأكثر من ثلاثة عقود. ولا يعني الجدل الدائر حول حظوظ استئناف المفاوضات برعاية الموفد الدولي كريستوفر روس سوى أن الأزمة توقفت عند محور المفاوضات، وهل تكون بهدف بلورة إرادة حقيقية لإنهاء المشكل أم مجرد جولات لتبرئة الذمة حيال طلبات المجتمع الدولي؟ منذ بدء مفاوضات مانهاتن في صيف 2007 ظهر جلياً أن لعبة الأطراف المعنية ستستغرق جانباً كبيراً من الاهتمام، تماماً كما كان عليه الوضع لدى اندلاع نزاع الصحراء حين جذبت صيغة الأطراف المعنية دول الجوار الى الساحة، ولو أن النزاع كان في الأصل مواجهة مفتوحة بين المغرب وإسبانيا فقط، كما تدل على ذلك وثائق أرشيف الأممالمتحدة منذ نهاية خمسينات القرن الماضي. شاءت تطورات إقليمية بعد قمة نواذيبو لعام 1969 التي ضمت الغائبين الحسن الثاني وهواري بومدين والمختار ولد دادة ان تفترق السبل، ولم تكن جبهة «بوليساريو» في البال. وفيما مشى المغرب وموريتانيا وقتذاك على سكة واحدة اختارت الجزائر حليفتها «البوليساريو». سيترك للتاريخ تقدير معطيات وخلفيات النشأة والامتداد. غير أن الأهم أن صيغة المفاوضات بين الأطراف المعنية ستواجه إشكالات حقيقية، ليس أقلها ان المفاوضات السرية التي دارت بين المغرب والجزائر في عواصم أوروبية لم تفلح في عزل ملف الصحراء عن تأثيراته السلبية في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين. وحتى حين اهتديا الى تمديد العمل باتفاق ترسيم الحدود ومعاهدة حسن الجوار التي اعتُبرت إنجازاً تاريخياً، فإن سنوات الانفراج بينهما لم تعمّر طويلاً. لم يعد سراً الآن أن الجزائر ترهن معاودة التطبيع الإيجابي في علاقاتها مع الجار الغربي بتسوية نزاع الصحراء، الى درجة انها استبدلت الطابع السياسي لبناء الاتحاد المغاربي بمقاربة اقتصادية عبّر عنها وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي صراحة في اجتماع وزراء الخارجية المغاربيين في ليبيا. فيما يرد المغاربة بأن أي تكتل اقتصادي في الإطار المغاربي لا يمكن أن يصمد امام تقلبات الخلافات السياسية، وأقربها استمرار إغلاق الحدود البرية بين البلدين الجارين. بالقدر الذي يعكس تباين المواقف أن أية مفاوضات بين المغرب والجزائر لا يمكن ان تحرز التقدم المنشود من دون فتح هوة عميقة في جدار مأزق الصحراء، بالقدر الذي بات فيه مستبعداً ان تنحو المفاوضات بين المغرب وجبهة «بوليساريو» في الاتجاه الصحيح من دون دعم جزائري واضح. والظاهر أن مجلس الأمن الدولي حين تمنى في قراراته الأخيرة ذات الصلة بنزاع الصحراء وآفاق المفاوضات على دول الجوار الإقليمي مساندة هذا المسلسل، كان يعي أنه من دون تحقيق حد أدنى من الانفراج الإقليمي لا يمكن ان يُكتب لمفاوضات الصحراء ان تحقق أهدافها. اصبحت لعبة الأطراف المعنية متداخلة الى حد التشابك ولا يمكن الإمساك بخيوطها الرفيعة من دون منظار يساعد في توضيح الرؤية. لقد استطاع الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر أن ينفذ إلى مناطق الظل في نزاع الصحراء يوم صنف الأطراف الى مباشرة تضم المغرب وبوليساريو وغير مباشرة تشمل الجزائر وموريتانيا. وقتها كان التصنيف مقبولاً في إطار خطة التسوية التي كانت تعول على تنظيم استفتاء تقرير المصير، وارتضت الجزائر وموريتانيا التوصيف بسبب وجود رعايا متحدرين من أصول صحراوية على أراضيهما. غير ان المواقف تغيرت نتيجة انهيار خطة التسوية. ولعل في مقدم ما يفرض ذلك التغيير أن تصبح مواقع الأطراف المعنية في منهجة المفاوضات واضحة في الصلاحيات والمسؤوليات. من هذا المنطلق وغيره حرص الموفد روس على إشراك دول الجوار في التشجيع على المفاوضات، وحين بدا له ان من الصعب تحريك الوضع الجامد من دون مبادرة لإزالة الحواجز النفسية والسياسية دعا الى مفاوضات مصغرة غير رسمية. الراجح ان مبادرة روس لا زالت مطلوبة وإن واجهت المزيد من الصعوبات. غير أن تفكيك أوصال الأطراف المعنية عبر تحميلها مسؤوليات مباشرة يبقى رهاناً محورياً لاستئناف مفاوضات مغايرة لما كان عليه الأمر سابقاً.