عندما يحل الديبلوماسي الأميركي الحذر كريستوفر روس في المغرب مطلع الأسبوع المقبل، سيجد ان الفرصة تلزمه حذراً مضافاً للخروج من مأزق قضية الصحراء، ليس أقله لإقناع المغرب بالذهاب الى جولة جديدة من المفاوضات غير الرسمية، في وقت لوّحت «بوليساريو» بالعودة الى حمل السلاح واستمرار الغموض الذي يحيط بملف المنشق الصحراوي مصطفى سلمى. في منهجية الحذر ان روس لم يدع الى استئناف المفاوضات، ليس لأنه لا يرغب في فرض أجندته عليها، ولكن لأنه لا يريد لهذا الاستحقاق ان يكون مثل سابقيه اللذين انفضّا من دون إحراز تقدم حقيقي. وما يشجعه على ذلك ان جولته تأتي بعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى المغرب التي ستفتح كتاب الصحراء أمام قراءة جديدة، لا تنفصل عن التحديات الأمنية والاستراتيجية الكبرى التي تواجهها المنطقة المغاربية وامتداداتها الجغرافية نحو الساحل والصحراء. روس لم يعد متفائلاً كما في الأيام الأولى التي تسلم فيها الملف، وهو لم يكن استثناء من بين أولئك الذين تعاطوا معه، قبل أن يكتشفوا ان المسافة بين القدرة والرغبة في إنجاز هذه المهمة أكبر من أن تختزلها الأبعاد التي تكشفها المفاوضات. لكنه في الوقت ذاته لا يريد للتشاؤم أن يهيمن على مساعيه التي تندرج من محطة الى أخرى، بحثاً عن معاودة بناء الثقة. أمامه أكثر من تحدٍ، ليس أبعده أن صيغة تبادل الزيارات بين أهالي الصحراء والمقيمين في مخيمات تيندوف، والتي كان يعوّل عليها لمد جسور التفاهم للتعاطي إنسانياً مع الملف، قد آلت الى الانهيار. كذلك سيجد ان أعداد الصحراويين النازحين في اتجاه المنطقة ارتفع بصورة ملحوظة، ليصبح قضية حقيقية، في غياب أي مبادرة من مفوضية اللاجئين أو الأممالمتحدة. كما سينصت في المغرب والجزائر ومخيمات تيندوف الى اتهامات متبادلة حول احترام حقوق الإنسان. وفي غضون ذلك سيكون عليه أن يستخدم مزيجاً من الضغوط وأساليب الإقناع لحمل الأطراف على الذهاب الى المفاوضات طالما انها رهانه الوحيد لئلا تؤول مهمته الى الفشل. في مرة سابقة استطاع روس أن يفرض على الأطراف المعنية تقليب صفحات كل الاقتراحات المطروحة على الطاولة. وكما قَبل المغرب أن يستمع الى «بوليساريو» تبرر دعوتها للعودة الى خيار الاستفتاء على أساس أنه يضع في الاعتبار إمكانات استقلال الإقليم أو ضمه نهائياً الى المغرب أو تكريس خطة الحكم الذاتي، فقد انصت مفاوضو «بوليساريو» الى تفاصيل أدق حول الحكم الذاتي الذي يروم تشكيل برلمان وحكومة محليين، يشارك فيهما المنتسبون الى الجبهة لدى عودتهم الطوعية الى المغرب. غير ان المرافعات السياسية والقانونية لم تحسم التباين الحاصل في المواقف. ولا يبدو ان لقاء ثالثاً أو رابعاً حول هذا الملف يمكن أن يحقق ما عجزت عنه المفاوضات السابقة. كل الوصفات التي جُربت حتى الآن وقفت أمام الباب المسدود، فقد كان أقصى ما تطالب به «بوليساريو» ان تفاوض الرباط كطرف معني. وفي مقابل ذلك كان أقصى ما تطالب به الرباط أن تكف الجزائر عن دعم ما تراه خياراً انفصالياً. وكان حتمياً في ظل هذا التشابك ان تكون العلاقة بين المغرب والجزائر الأكثر تضرراً من استمرار تداعيات النزاع. ومع ان الموفد الدولي كريستوفر روس نجح في طرح المقاربة الإقليمية، من دون فرضها بالضرورة، فإن التوتر السائد في علاقات البلدين الجارين لا يوحي بإمكان حلحلة الوضع. إذا كان صحيحاً أن المغاربة والجزائريين تعايشوا مع بعضهم في فترات معينة، على رغم التأثير السلبي لنزاع الصحراء، فإن الصحيح أيضاً أنه بدل أن يكون التقارب المغربي – الجزائري عنصراً مساعداً في حل الأزمة الصحراوية، تحولت القضية الى أزمة مغربية – جزائرية. وإذا كان من غير الوارد أن يبحث روس في إمكان معاودة تطبيع العلاقات بين البلدين الجارين، لأن تلك ليست مهمته، فإن من المستبعد إحراز أي تقدم من دون أن يكون للوفاق المغربي – الجزائري الغائب أثره البالغ في هذه التطورات، إن سلباً أو إيجاباً. ويبقى أن جولته ذات الطابع الإقليمي مؤشر آخر على ان من دون الوفاق الإقليمي سيظل نزاع الصحراء قائماً في انتظار المجهول.