«لم يكن قراراً سهلاً، لكنني كنت كمن أجبرته الظروف على ذلك»، هكذا تحدّث حماد السويل (57 سنة)، الذي تقاعد قبل ثلاثة أعوام من بلوغ السن القانونية للتقاعد، وأضاف: «السنوات المتبقية لي قبل التقاعد كانت ستجعلني في وضع مادي أفضل نسبياً، إذ إنني أفقد ثلث دخلي تقريباً بعد التقاعد. راتبي الحالي 5700 ريال (نحو 1500 دولار)، وهذا يعني أن أتقشف أكثر في معيشتي، خصوصاً أنه لا يزال لدي أبناء في مراحل التعليم العام، ما يتطلّب تحمّل إنفاق أكبر، طالما أن إيجار المسكن أيضاً يقضي على ما تبقى، إذ إن رفع أسعار الإيجارات مسألة لا تلقى أهمية لدى الدولة، فالمالك له حق رفع الأسعار كل سنتين تقريباً من دون محاسبة قانونية». ويشير السهلي إلى أن آلام الظهر الناتجة من تعرضه لحادث تجعله لا يحتمل وزر العمل، ولا يؤخذ هذا الأمر بالاعتبار، فلا يمكن الموظف أن يحصل على إجازة مرضية مستمرة. ويعاني المتقاعدون في السعودية من أوضاع مادية تعتبر صعبة في الوضع الإقتصادي الراهن. وأوضح الفريق المتقاعد عبد العزيز هنيدي رئيس الجمعية الوطنية للمتقاعدين في السعودية، أن 44 في المئة منهم لا يملكون مساكن خاصة بهم، ويسكنون بالإيجار، وأن إجمالي عدد المتقاعدين في السعودية يبلغ حوالى 850 ألف متقاعد، 10 في المئة منهم من النساء عملن في قطاعات الصحة والتعليم. وأكد هنيدي أن الجمعية طلبت من وزارة الإسكان إعطاء الأولوية للمتقاعدين في منح الوحدات السكنية، خصوصاً أن بعضهم تجاوز سن الستين ولديهم أسر كبيرة يقومون بإعالتها، ورواتب بعضهم لا تتجاوز ال4 آلاف ريال. وليست مشكلة السكن هي المعضلة الوحيدة التي يعني منها المتقاعدون، فهي مشكلة عامة، إذ إن 35 في المئة من السعوديين يقطنون منازل مستأجرة، وحوالى 41 في المئة منهم يعيشون في شقق. ونوقش أخيراً في إحدى جلسات مجلس الشورى الحد الأدنى لأجور المتقاعدين، وأوصى المجلس بألا يقل الراتب التقاعدي عن 4 آلاف ريال (حوالى 1060 دولاراً)، وهو أجر ضئيل جداً بالنسبة إلى التضخّم والأوضاع الاقتصادية السيئة وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية التي لا تلقى أي دعم حكومي. كما يعاني المتقاعدون عدم حصولهم على التأمين الطبي، فالمتعارف عليه هو أن العلاج مجاني في المستشفيات الحكومية. وتشير المتقاعدة نورة السويف إلى أن «من يتقاعد هو أكثر من يحتاج إلى الرعاية الصحية التي تتزامن غالباً مع التقدّم في العمر. وللأسف لا تتأمن مواعيد للمعاينة في المستشفيات الحكومية إلا بعد مدة تتراوح بين 3 و5 أشهر. وبالتالي يضطر المتقاعد الذي لا يكفيه راتبه التقاعدي، لأن يدفع مثلاً نحو ألفي ريال ثمناً لصورة أشعة مغناطيسية للعمود الفقري». وتقول حسنا العميل: «حين نتقاعد من العمل الذي قضينا فيه سنوات شبابنا وقدمنا فيه خبراتنا للمجتمع، نفكر في أن من حقنا الحصول على حياة كريمة، لكن ما يحدث هو أننا ندخل دوامة القروض والديون التي لا ترحم». وأورد رئيس مركز اقتصاديات البترول الدكتور أنور أبو العلا، في مقال، إن الحل الأمثل هو استمرار العلاوة السنوية لمعاشات المتقاعدين، أسوة بعلاوة الموظفين. «وهي الضمان الوحيد للحيلولة دون تآكل معاشاتهم. ولا يوجد مبرر لاعتراض مؤسسة التقاعد بحجة عدم وجود إيرادات كافية لتغطيتها». من ناحية أخرى، يواجه الزوجان الموظفان الحكوميان أزمة تتمثل في احتساب الدولة راتب أحدهما للورثة بعد الوفاة، ما يعتبره الرأي العام السعودي غير منصف، لأن الموظف يقتطع جزءاً من راتبه الشهري للتقاعد، لذا هو حق له وليس هناك مبرر لعدم صرف المعاشين التقاعديين للورثة في حال الوفاة. وتشير الاختصاصية في علم الاجتماع الدكتورة إيمان الصالح، إلى أن «مجرد الاطلاع على أوضاع المتقاعدين تُشعر الموظفين بالإحباط، فحين يبلغ المواطن سن التقاعد يرغب في أن يحظى بوضع يكفل له الكرامة الإنسانية، وهذا هو ما يجب النظر فيه حالياً، فالقوانين حين لا تكون في مصلحة المواطن يجب أن تتغير، خصوصاً أن نسبة كبار السن في المجتمعات أصبحت كبيرة. وتحتاج هذه الفئة إلى أن لا تشعر بالإهمال وبالتهميش. كما تجب الاستفادة في هذا المجال من تجارب الدول الكبرى لجهة إنشاء أندية في الأحياء ومراكز اجتماعية لتمضية الوقت، والمشاركة من المتقاعدين في العمل التطوعي والإستفادة من خبراتهم في التدريب والتربية.