المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير خارجية العراق يروي ل"الحياة" محطات من تجربته على خط الزلازل (4) زيباري: وافق الاسد على استقبال الجنرال بترايوس لكن واشنطن ألغت الزيارة
نشر في الحياة يوم 16 - 11 - 2013

خرج العراق منهكاً من الحرب التي اطاحت نظام صدام حسين. كان على النظام الجديد ان يقنع دول المنطقة بأن المؤسسات العراقية الجديدة ليست مجرد واجهات للاحتلال الاميركي. وكان عليه ان يتعايش ايضاً مع التجاذب الايراني-التركي على الارض العراقية وأن يحاول مواجهة الضغوط التي تمارس عليه. كانت علاقات العراق شائكة مع كل جيرانه تقريباً وكان على وزير الخارجية هوشيار زيباري ان يعالج هذه الملفات. وهنا نص الحلقة الرابعة:
كيف تصف شخصية الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح؟
- هو في تقديري شخصية ذكية، وربما كان الاذكى خرج سالماً رغم أنه تعرض لحروق. وهو مناور من الدرجة الأولى. عند تعييني وزيراً للخارجية قمت بجولة على دول عربية عدة وتوجهت الى اليمن وهو رحّب بزيارتي واستقبلني في مقر القيادة العامة. قال صالح أنتم وصلتم الى الحكم على متن الدبابات الاميركية، والاميركيون جاؤوا الى العراق وأخرجوا صدام من الحكم وأنتم سعيدون بوجود الاميركيين الذين أتوا بكم الى الحكم. هل تعتقدون أن الاميركيين سيتركون الأمور لكم؟
قلت له يا فخامة الرئيس، مع احترامي لما قلتموه، نحن لم نأتِ من طريق الاميركيين، بل نحن مَنْ جئنا بالاميركيين لأننا عندما انتفضنا والشعب العراقي كله ضد صدام في 1991 من دون إرادة دولية وقام صدام بذبحنا، أنتم والكثير من الدول العربية كنتم تصفقون او تتفرجون. هو صُعق من ردي، وأضفت لا أحد يمكن أن يزايد علينا في نضالنا، فنحن على مدى سنوات كافحنا الديكتاتورية على رغم كل هذه المجازر وأنتم قادة الدول العربية والإسلامية لم تظهروا أي قيمة للشعب العراقي لديكم. بعد هذه المواجهة مع الرئيس صالح، أصبحنا أصدقاء وأحباء ونتحادث في كل المحافل التي كنا نلتقي فيها. كان ذكياً ومناوراً. بعدها غيّر موقفه من العراق وتبادلنا السفراء.
كانت لدى النظام السوري حساسية حيال قيام اقليم كردستان العراق؟
- نعم. إلتقيت الرئيس بشار الأسد مرات عدة وكانت لديه حساسية تجاه أقليم كردستان، على رغم أنه كان يقول إن الجميع أصدقاؤنا، وهناك دعوة مفتوحة للأخ مسعود بارزاني ونرحب به لزيارتنا متى أراد، فهو ليس غريباً. وعلق فاروق الشرع قائلاً إنه سيتم استقباله كرئيس حزب. سارع بشار الى القول ان الرسميات ليست مهمة بل الجوهر، ونحن نقدّر مسعود. قلت له أنا لا أتدخل بهذا الموضوع، لكن باعتباره أحد قياداتنا عند زيارته تركيا استُقبِل كرئيس أقليم، على رغم أنني أتصور أن حساسية تركيا تجاه اقليم كردستان أكبر، وكذلك استُقبِل في ايران وفي السعودية وفي مصر وفي الأردن بتلك الصفة. لاحقاً بعد بدء الأحداث في سورية، قال السوريون إنهم يرحبون بالأخ مسعود كرئيس للإقليم، لكنه ارتأى عدم التوجه الى سورية في الظروف التي تعيشها.
كل فلسفة النظام السوري كانت قائمة على أساس انهم دولة مقاومة وممانعة، وأنه إذا انهار النظام السوري فستنهار الأمة العربية. وكان هذا ينعكس بوضوح على الموقف، وهذا الجدل حصل في القمة العربية في الخرطوم بين الرئيس اللبناني السابق اميل لحود ورئيس الوزراء اللبناني حينها فؤاد السنيورة. وكان عمر البشير يترأس الجلسة وبشار الأسد يجلس الى جانبي وفاروق الشرع. وكان هناك بيان مُقترح عن المقاومة والإشادة بها، السنيورة قال يجب ألا نلزم أنفسنا بنصّ كهذا، فغضب اميل لحود وقال له على الملأ: «مَنْ أنت ومَنْ أتى بك وماذا تفعل هنا؟ أنا رئيس الدولة وأنا أمثّل السيادة اللبنانية ويجب أن تتم الإشادة بالمقاومة اللبنانية». الرئيس بشار وفاروق الشرع ووليد المعلم أكدوا الموضوع نفسه فتم تمرير القرار. كان واضحاً ان النظام السوري مهتم بالاحتفاظ بهذه الاوراق.
شهدت العلاقات بين دمشق وبغداد توترات علنية؟
- اتعبنا النظام السوري وقد تسببت عمليات التسلل من سورية بمقتل آلاف العراقيين، وفاروق الشرع استقبل حارث الضاري في سورية، على رغم أنه مطلوب دولياً.
ابراهيم الجعفري، الذي كان رئيساً للوزراء قال لي يوماً لنتباحث في وضع سورية. وسألني: ماذا لدى سورية من مصادر وقوة ونفط وعلوم وتكنولوجيا وصناعة؟ وقال الجعفري ان رأسمالها الوحيد السياسة والمخابرات، نظام أمني ويتعاملون بالسياسة و «تجار الشام» مشهورون بذلك.
واضح ان ايران وتركيا تتنافسان على النفوذ في العراق؟
- العراق وقع، ولا يزال واقعاً تحت تأثير ايراني وتأثير تركي، والاثنان يحاولان تشكيل محور. الايرانيون كانوا يطرحون علينا بجدية إقامة تكتل اقتصادي بين ايران والعراق وسورية يرقى الى مستوى التكامل والإعفاء من التأشيرات ومد خطوط سكك حديد تصل الى البحر الأبيض المتوسط. الأتراك في المقابل كانوا يطرحون علينا أمراً مختلفاً: إنشاء حوض بلاد ما بين النهرين بمعنى ان يشمل تركيا والعراق وسورية بعد أن مشوا خطوات مع السوريين في هذا الاتجاه في ما يخص التعرفة الجمركية والحدود والتأشيرات ودعونا الى الانضمام ليجذبونا اليهم. لا تزال هناك منافسة حقيقية على مستقبل العراق وهذه الرسالة أعلنتها لكل القادة العرب منبهاً الى أن مستقبل العراق حالياً يتنافس عليه ليس أنتم العرب بل الايرانيون والأتراك وأنتم غائبون حتى الآن.
كيف تعايش الاميركيون مع الدور السوري الذي استهدفهم على ارض العراق؟
- الجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان قائد القوات الاميركية في العراق جمعتنا به علاقة ممتازة ويومية. وفي إحدى المرات كانت هناك نجاحات للأميركيين ضد «القاعدة» والمتسللين. قبض الاميركيون على متسللين دخلوا الارض العراقية آتين من سورية. خاف السوريون من هذه النجاحات الاميركية. كنت متوجهاً في زيارة الى سورية فطلب الجنرال بترايوس لقائي وسألني رأيي في أن يتوجه هو لزيارة بشار الأسد لإبلاغه أن لدى الاميركيين كل المعلومات عن هذه التسللات، فلا تكون زيارة روتينية من ديبلوماسي من وزارة الخارجية. قلت له: هذا يعود اليك وإذا كان لديك تصريح بمثل هذه الزيارة فأنا مستعد لنقل هذه الرسالة شخصياً الى بشار الأسد. اكد حصوله على تصريح وطلب مني نقل الرسالة الى بشار. توجهت للقاء بشار الأسد وقلت له ان لدي رسالة مفادها أن القائد العام للقوات الاميركية يرغب أن يلتقي بك في دمشق في زيارة قصيرة، ففرح بشار جداً وكان ذلك عام 2008. سأل بشار وليد المعلم عن ديفيد بترايوس؟ فقال له المعلم إنه أهم شخص بعد بوش وهو مسؤول القوات الاميركية في العراق كله. فرحب بشار بزيارة مثل تلك الشخصية المهمة. عند عودتي الى العراق، كان التصريح بالزيارة قد أُلغي بأمر من واشنطن. بترايوس كان يريد أن يوجه تحذيراً الى الرئيس الأسد، بينما واشنطن رأت أن مثل تلك الزيارة ستضفي أهمية على الدور السوري في العراق. الاميركيون كانت لديهم أدلة قاطعة موثقة على التدخل السوري.
الايرانيون تعاملوا ببراعة مع الوضع العراقي؟
- الايرانيون تصرفوا بطريقة مختلفة عن الدول العربية في تعاملهم مع الوضع العراقي. هم يريدون بالتأكيد أن يكون العراق تحت تأثيرهم ونفوذهم، ولكنهم يعرفون أن الوطنية العراقية قوية جداً، حتى في الجنوب وحتى عند الشيعة أنفسهم، لذلك يريدون أن تكون الحكومة العراقية حكومة صديقة. ولكن أذكر بعض النقاط التي تؤكد أن الحكومة العراقية ليست في جيب ايران، وسأورد لك أمثلة ونماذج أنا شاهد عليها مع ابراهيم الجعفري. توجهنا في زيارة رسمية الى طهران وكان الجعفري أول رئيس وزراء شيعي مُنتَخَب في العراق (إياد علاوي الذي سبقه كان شبه مُعيَّن). فطلب منا الفريق الديبلوماسي الايراني أن نقوم بتوقيع بيان مشترك، ولدى الايرانيين مهارة في إلزام الآخرين بأوراق موثقة. أعدّوا بياناً ونبهت الجعفري سلفاً الى عدم توقيع أي مستندات، وإذا وقعنا فيجب أن يكون التوقيع على أمور عامة وعلى بيان مشترك يكون عمومياً وَصْفياً يذكر بمَنْ التقينا في زيارتنا. مستشارو الجانب الايراني أصروا على تضمين البيان ذِكراً لاتفاقية الجزائر عام 1975. هذه الاتفاقية تسبب لنا إشكالية قانونية تترتب عليها التزامات ومسائل حقوقية قانونية تتعلق كذلك بتعويضات الحرب العراقية - الايرانية وهذه مسائل يعرفها الايرانيون جيداً. قلت للجعفري هذه ستسبب لك وللعراق إشكالية، فتلك الاتفاقية حصلت على جسد الشعب الكردي وعلى جسد المعارضة العراقية في وقتها، وقاموا بتقسيم شط العرب. فرد الجعفري معتبراً أن رأيي سليم. وحتى وقت متأخر من الليل استمر الفريق التفاوضي العراقي يقول لنا ان الجانب الايراني يلح إلحاحاً شديداً للتوقيع. مسؤول الوفد التفاوضي العراقي ليث كبة، وهو أحد مستشاري الجعفري، كان موافقاً. فقلت هذا لا يجوز وعلينا أن نتوجه صباحاً الى المطار، فقام الايرانيون بعقد مؤتمر صحافي في المطار بحضور قاسم سليماني والدكتور علي ولايتي، وزير خارجية ايران السابق وكبير مستشاري المرشد الأعلى، ووزير الخارجية وكل الصف الأول الايراني كان في المطار لإعلان البيان. توجهت الى الجعفري وقلت له ان في البيان فقرة واضحة تتضمن الموضوع الذي نبهتك اليه وأنت رئيس الوزراء وتتحمل المسؤولية ولكن من واجبي تنبيهك. طوى الجعفري الورقة ووضعها في جيبه وقال لا مؤتمر صحافياً ولا بيان مشتركاً، نحن جئنا في زيارة الى ايران والتقينا أصدقاءنا.
وكرر الايرانيون المحاولة خلال زيارة المالكي الأولى الى ايران بعد تعيينه رئيساً للوزراء وجهزوا له الموقف نفسه. توجهت الى المالكي ونحن ندعوه «الحجّي»، وقلت له: يا حجّي انتبه لأن هناك مساءلات في هذا الموضوع وأنا من واجبي كمسؤول تنبيهك. فقال المالكي: لا يمكن أن أقبل الإشارة الى اتفاقية الجزائر، فهناك نقاش وجدل حول الموضوع ولم يوقّع. الايرانيون ضغطوا على المالكي بكل قوتهم لئلا يخرق الصف الشيعي، وأن يكون هناك تكتل شيعي واحد حتى يضمنوا فوزاً ساحقاً في الانتخابات. وأصر المالكي على تشكيل ائتلافه الخاص الذي هو دولة القانون. الايرانيون ضغطوا عليه بقوة لإنهاء الوجود الاميركي فوراً، ونحن وقعنا اتفاقية سحب القوات بعد ثلاث سنوات وكان ذلك ضد رغبة الايرانيين. ايران كانت تكره أن يقوم العراق باستخدام سلاح اميركي ونحن توجهنا الى اميركا ووقعنا على صفقات لطائرات «اف 16» وبعيداً عن الجدل السياسي كموقف، لكن ايران ضد هذا التسلح.
زاركم وليد المعلم بعد اندلاع الاحداث في سورية. ماذا طلب؟
- زارنا وليد المعلم في الشهر الرابع أو الخامس من عام 2011 وكانت الانتفاضة انطلقت في درعا وبدأت تنتقل الى مدن أخرى ورافقته الى لقاء المالكي. جاءنا المعلم بطلبين، الأول أن وضعهم صعب ويريدون منا مساعدتهم، قائلاً إن لدينا طبقة رجال الأعمال والتجّار في دمشق وفي حلب، فطالما دمشق وحلب تحت السيطرة، لا خوف من الأطراف، وهؤلاء لديهم مصانع وبضاعة. وطلب المعلم تسهيل مسألة السيطرة النوعية على الحدود، فهناك إجراءات معينة تقوم بها وزارة التجارة لقياس جودة البضائع الداخلة الى العراق وهذه الإجراءات تتأخر وفيها بعض التعقيدات، فقال المعلم: ربما تتساهلون معنا للدخول الى السوق العراقية. والطلب الثاني كان ان نعطيهم نفطاً، كما نعطي الأردن، بأسعار مخفضة. فالمعلم قال: اننا نتوقع حدوث أزمة محروقات مستقبلاً ونريد أن تعاملونا مثل معاملتكم للاردنيين. ونقل الينا سلام الرئيس بشار الأسد. المالكي قال له يا أستاذ وليد تعرف أنا لا أستطيع أن أقرر بل عليّ أن أعود الى مجلس الوزراء، والمالكي يلمِّح الى أن هذا بعكس الإجراءات المتبعة في سورية حيث القرار يعود لرجل وحيد. وأضاف المالكي: أنا لا أستطيع أن أقرر من دون العودة الى مجلس الوزراء وأطرح الموضوع، فإما أن تكون هناك موافقة عليه أو لا.
بعدها قمنا بتسهيل عبور البضائع السورية عبر الحدود، لكننا لم نزودهم بالنفط بأسعار مخفضة وقطعاً لم نزودهم بمقاتلين أو أسلحة. انا اتحدث هنا عن الدولة وما يمر عبر مجلس الوزراء.
ومسألة السلاح الايراني الى سورية عبر اجواء العراق؟
- كانت طائرات ايرانية تعبر الاجواء العراقية وقام الاميركيون بتنبيهنا الى ذلك. خلال فترة من الفترات رصد الاميركيون مرور طائرات شحن فوق الأجواء العراقية وتابعوها. سألنا المالكي هل هناك موافقة لعبور هذه الطائرات؟ فأجاب ان ليست هناك موافقة. قلت له إذا لم تكن هناك موافقة علينا أن نمنعها وأن نبلغ الجانب الايراني أن ذلك يشكل خرقاً لقرارات مجلس الأمن التي نلتزم بها ويجب إيقافها، لكنها استمرت.
الاميركيون قالوا لنا ان هذا خرق فظيع ويتوجب علينا إبلاغ الجانب الايراني لإيقافها وإلا يمكن أن تتعرض تلك الطائرات الى مخاطر.
في ما يتعلق بتجارة التهريب عبر الحدود السورية – العراقية والسورية – اللبنانية والسورية – الأردنية، فهذا أمر موروث وجزء من التقاليد. لكن لم يتخذ في هيئات رسمية عراقية قرار بدعم النظام السوري.
في الموقف السياسي اتخذت الجامعة العربية قراراً بضرورة تنحي بشار الأسد، لكن نحن تجنبنا أن نكون أوصياء نملي عليه ما يفعل، وهذا يؤخذ علينا وثمة من اعتبر أننا في صف بشار. الحقيقة ان الوضع السوري شديد التعقيد ومصير نظام الاسد يجب ان يحسمه السوريون انفسهم. سورية على حدودنا ونحن نتأثر بما يجري فيها واذا رسخت «القاعدة» وجودها على حدودنا فسندفع الثمن.
هل يضغط الايرانيون على المالكي لتقديم أي دعم لبشار؟
- ربما يكون هناك ضغط لكنه لم يؤد الى أي نتيجة. انا اتحدث هنا عن مجلس الوزراء.
تركيا لم تستقبل بارتياح اسناد منصب وزير الخارجية في العراق الى سياسي كردي؟
- الأتراك كانت لديهم حساسية تجاهي ربما تفوق ما لدى الدول العربية، كوني كردياً ووزير خارجية دولة مثل العراق، ولم يكونوا مرتاحين الى تعييني إطلاقاً. وتمت مهاجمتي في الصحافة التركية والإعلام. أذكر في إحدى المرات انني التقيت بالممثلة انجيلينا جولي، وكانت سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة للاجئين العراقيين، والتُقطت لنا صور معاً فعلّقت صحف الاثارة التركية قائلة: «من عجائب الدنيا زيباري مع جولي».
الأتراك كانت لديهم مخاوف من الوضع العراقي ولم يكونوا إيجابيين في البداية، وعلاقاتهم مع الاميركيين كانت تعيسة بعد الموقف التركي عشية التدخل الاميركي. أذكر أن بعض كتّاب الرأي في الصحافة التركية هاجموا القيادة التركية هجوماً شنيعاً مادحين رئيسي عشيرتي بارزاني وطالباني اللذين أثبتا أنهما أذكى من هذه الدولة التركية العريقة، وتمكنا من تخريب علاقاتها مع الاميركيين وكسبا الاميركيين وجاءا بالاميركيين وأسقطا صدّام ووضعا الاسس لنظام جديد.
عبدالله غل كان جيداً وواضحاً، ربما بحكم كونه وزيراً للخارجية. خلال لقاء في القاهرة قلت له إنه سيكون رئيس الجمهورية القادم. فسألني كيف تعرف هذا؟ فقلت هذا تقديري.
عُقد مؤتمر لدول جوار العراق في تركيا وحاولوا أن يتجنبوا استقبالي وكانوا يريدون أن يحضر ابراهيم الجعفري، فقلت لهم هذا اجتماع لوزراء الخارجية وأنا حضرت مثل هذه الاجتماعات سابقاً، فما علاقة الجعفري أو غيره؟ فرفضوا وقلت انني لن أحضر أبداً وطلبت أن يتم إبلاغهم أن العراق سيقاطع المؤتمر، على رغم أنه يُعقد لبحث أوضاع العراق، فقاموا بإرسال طائرة الى مطار بغداد لتقلني في الساعة الثانية فجراً، وكانت هذه من أساليب المراوغة لديهم.
الأتراك كانت لديهم حساسية شديدة من حزب العمل الكردستاني ولم يكونوا يتعاملون مع إقليم كردستان إطلاقاً، فذلك كان من المحرّمات بالنسبة اليهم، بل أرادوا التعامل مع بغداد. قلت لهم أهلاً وسهلاً بكم فأنتم ستتعاملون معنا في بغداد حيث نحن موجودون. وهناك احترام متبادل مع الوزير أحمد داود أوغلو.
في إحدى زياراتنا الى تركيا مع المالكي أيضاً جهزوا بياناً وطلبوا منا التوقيع عليه في المطار ذُكر فيه أن حزب العمال (الكردستاني) حزب إرهابي يجب أن تتم مكافحته، وهذا وفق القانون الدولي يحمّل العراق مسؤولية. فرفضت رفضاً قاطعاً بوجود المالكي، وقلت لهم ان البيان لم يُمرر إلينا سلفاً، ولا أعرف إن كنتم تداولتم به مع مستشاري المالكي، ولكن نحن غير موافقين عليه. وإذا وافق المالكي على توقيعه، فإن ذلك سيتسبب في إسقاط حكومة المالكي، ونبهته الى ضرورة عدم التوقيع، لأن ذلك سيخلق له مشكلة كبيرة مع إقليم كردستان ومع المام جلال ومع الأخ مسعود. وقمنا مع المالكي بالتشاور مع عبدالله غل بوجود أردوغان الذي قال عني انني أدعم الإرهاب (برفضي التوقيع على البيان)، فقلت له أنا لا أدعم الإرهاب بل نحن نحارب الإرهاب بكل الوسائل، ولكن إذا أردت أن تجبرني على التوقيع، فأنا كمسؤول يجب عليّ أن أقول لك لا، وأقولها بوجود المالكي. وكان هناك مؤتمر صحافي مقرر قام الأتراك بتأجيله. فقلت للمالكي: أنت ما زلت حديث العهد في منصبك، فلماذا تورط نفسك بمثل تلك المسائل وتخلق جبهة ضدك؟ فقال هذا صحيح، ولكنني أريدك أن تبحث لنا عن مخرج. فقدمت صياغة أخرى وافق عليها الأتراك.
في حادثة أخرى عقد الأتراك اتفاقية مع وزير الداخلية بحيث يُسمح للجيش التركي بدخول الأراضي العراقية، وتلك كانت اتفاقية معمول بها منذ أيام صدّام حسين أراد الأتراك إحياءها. وقد سبق أن وردتنا الى وزارة الخارجية مثل تلك الاتفاقات التي كنا نقوم بالتدقيق فيها ونرفضها، ورفضنا المُقترح التركي الجديد. زار أردوغان بغداد وكنا نجلس الى طاولة واحدة مع المالكي ووزير الخارجية التركي، فأبلغوا أردوغان أن وزير الخارجية العراقي رفض الاتفاقية. فقال لي أردوغان: لكن رئيس الوزراء موافق وكذلك وزير الداخلية جواد البولاني، فلماذا ترفضها؟ قلت له: أنا لن أوافق. أردوغان سأل متهكماً: مَنْ يتخذ القرار في بغداد؟ فقلت أنا، وضحك الجميع. فقال أردوغان: أريد أن أفهم بالضبط لماذا أنت غير موافق على هذا الموضوع. قلت له أنت رجل مسلم وأنا مسلم مثلك ولكن أنا أقسمت على القرآن الكريم عند تعييني وزيراً للخارجية بأن أحافظ على سيادة العراق ومياهه وأراضيه من أي تدخل، وهذا تدخل، لذلك لن أقبل وهذا واجبي، وهذا الموقف ليس موجهاً ضد تركيا وسأتخذ الموقف نفسه حيال اي تدخل آخر.
في حادثة أخرى، أصرّ أحمد داود أوغلو، وزير خارجية تركيا، على زيارة كركوك على رغم الحساسيات التاريخية والمستجدة. اتصلت بأحمد قائلاً: نرحب بك في بغداد، لكن زيارتك الى كركوك لن أسمح بها. وبقينا نتناقش لساعات وقلت له أنت العقل الاستراتيجي لتركيا وتريد مني أنا وزير خارجية البلد المسكين أن أشرح لك. وسّط داود أوغلو رئيس الجمهورية جلال طالباني وقال له: أريد أن أزور بغداد وأن أتوجه الى كركوك، لكن وزير الخارجية لم يسمح لي بزيارتها. اتصل بي رئيس الجمهورية وقال: إذا كان من الممكن أن تسمحوا له بزيارة كركوك، فلا أرى ما يمنع ذلك. فقلت له يا مام جلال مثل تلك الزيارة ستخلق لنا مشكلة صعبة جداً وستفتح الباب لزيارات لاحقة لوفود تركية، وأنتم أدرى الناس بحساسيات كركوك. وأنا، مع تقديري لكم، لن أسمح له بزيارة كركوك. سألني الرئيس: ما رأي المالكي في الموضوع؟ فقلت له إن المالكي أيضاً لا يؤيد زيارة داود أوغلو الى كركوك. اتصل الأتراك بالأخ مسعود رئيس الإقليم فخابرني طالباً أن نفسح لأوغلو المجال لزيارة كركوك فأصررت على موقفي الرافض، وقلت هذا وزير خارجية تركيا ولن أسمح له بزيارة كركوك، وبالفعل لم تتم الزيارة. زار داود أوغلو بغداد وسألني لماذا هذا الموقف الرافض؟ فكررت الشرح أن كركوك حساسة وزيارته ستسبب مشاكل وصعوبات. لكن علاقتي مع الوزير التركي علاقة طيبة. كذلك أصبحت علاقتي على أحسن ما يرام مع أردوغان، بعد ما دار بيننا من جدل ونقاش.
- وزير خارجية العراق يروي ل«الحياة» محطات من تجربته على خط الزلازل (1) زيباري: ابتهجت دمشق بتنحي مبارك واعتبرت نفسها محصنة ضد «الربيع»
- وزير خارجية العراق يروي ل"الحياة" محطات من تجربته على خط الزلازل (2) زيباري: أراد الإيرانيون إفشال الأميركيين لا التجربة الديموقراطية
- وزير خارجية العراق يروي ل"الحياة" محطات من تجربته على خط الزلازل (3) زيباري : هاجم مبارك بشار وقال إن علاقاته بإيران «أعمق مما نتصور» تشيني لصباح الأحمد: أخشى أن تغرق بلادكم تحت ثقل المعدات العسكرية
(غداً حلقة اخيرة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.