تنقسم الكتل النيابية العراقية على مواضيع كثيرة، لكنها تكاد تسلم بضرورة بقاء الرئيس جلال طالباني في موقعه لولاية جديدة. يلمس زائر بغداد أن طالباني نجح في تحويل دوره الوفاقي الداخلي ضرورة، والأمر نفسه بالنسبة الى تحسين علاقات العراق الخارجية. في مقر إقامته في بغداد، استقبل الرئيس العراقي «الحياة». اغتنمنا سعة صدره لإجراء مراجعة، خصوصاً حول علاقات العراق بجيرانه، وهنا نص الحوار: لا يحب الزعماء لقب الرئيس السابق... هل تحب هذا اللقب؟ - حتى إذا تم التجديد لولايتي هذه المرة أربع سنوات أخرى، فسأعود بعدها الى بيتي. فلا يجوز التجديد الا لمرة واحدة بحسب الدستور، فالتقليد العراقي ان رئيس الجمهورية يبقى رئيساً لدورتين فقط. رئاسة الوزراء مفتوحة، أليس كذلك؟ - رئاسة الوزراء مفتوحة ورئاسة المجلس النيابي مفتوحة، لكن رئاسة الجمهورية مقيدة. كيف تشعر حيال فكرة تطبيق الدستور؟ هل يعيش العراق في ظل غياب الدستور؟ - أعتقد بأن العراق لا يعيش من دون الدستور. تركيبته القومية والمذهبية والاجتماعية تحتّم الحكم الدستوري، ومن دون الحكم الدستوري يصعب أن يحكم العراق ويصعب التعايش في العراق، بخاصة من دون الحرية. سابقاً كان في العراق حكم ديكتاتوري بالقوة الغاشمة، وقوة الشرطة والجيش والأحكام العرفية. ولكن، الآن حيث الديموقراطية والحريات العامة لا يمكن ضبط الوضع إلا بالديموقراطية وبالتوافق الوطني وبحكم دستوري. سمعتك تتحدث عن أسوأ ديموقراطية... - نعم. أعتقد بأن أسوأ ديموقراطية أحسن من أفضل ديكتاتورية في العالم. وهل يمكن أن نجد أنفسنا أمام ديكتاتور جديد في العراق؟ - صعب جداً. لا توجد استحالة بالطبع، ولكن في العراق الجديد ظهور حكم ديكتاتوري مستحيل، نظراً الى تركيبته الاجتماعية والمذهبية والقومية، وأيضاً لشيوع الديموقراطية. هل عراق ديموقراطي بالضرورة هو عراق ضعيف؟ - لا... اعتقد ان العراق الديموقراطي يكون قوياً إذا نُفِذ شيئان أساسيان، هما تطبيق الدستور وتحقيق حكم توافق وطني وشراكة وطنية حقيقية. فالعراق لديه كل مستلزمات القوة، الشعب والثقافة والإمكانات، ولديه ثروات ضخمة عدا الثروات المكتشفة من الغاز والنفط والمعادن، بالتالي يمكن العراق أن يتحول الى نمر من النمور الآسيوية. نمر من النمور الآسيوية؟ - نعم. إذا طلبت منك تقويم تجربة ولايتك السابقة، اين نجحت وأين أخفقت؟ - كل تجربة وكل حكم فيه أخطاء ونواقص. في المرحلة الأولى، حاولنا تمثيل التوافق الوطني العراقي. فمجلس الرئاسة كان يتكون من ثلاث شخصيات عراقية ممثلة لمكونات المجتمع. أهم النواقص التي نتحمل مسؤوليتها يمكن تبويبها كآلاتي: أولاً: لم نكن متفقين دائماً نحن الثلاثة في كل السياقات والمواقف ومجابهة القضايا المشتركة. مثال على ذلك، موضوع تطبيع الأوضاع في المحافظات، فكل المحافظات العراقية أجرى صدام حسين تعديلات عليها. استقطع مناطق وأضافها الى أخرى، مثل مناطق في بغداد والنجف الأشرف والحلة وديالى وكركوك وأربيل. ولكن لم يحصل اتفاق بيننا نحن الثلاثة على تقديم طلب الى المجلس النيابي من أجل تعديل هذه الحدود. والنقطة الأخرى التي اعتبرها نقصاً أننا سكتنا عن بعض المخالفات الحكومية. كان في الإمكان أن نتصدى اكثر الى بعضها، وكمثال، كل قادة الفرق ووكلاء الوزارات تعينوا ب «واو» بمعنى «وكيل». لأن قائد الفرقة والوكيل بحسب الدستور يجب أن يختاره رئيس الوزراء ثم يذهب بالاسم المختار الى مجلس الوزراء لتحصيل موافقته، ثم يُرسَل (الاسم) الى البرلمان للموافقة عليه، ثم يأتي الى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم بتعيينه قائداً للفرقة. لم يُعيَّن قائد فرقة واحد بهذه الطريقة الدستورية. جميعهم عينوا كوكلاء قائد فرقة وكذلك وكلاء وزارات. لذلك كان خاطئاً سكوت مجلس الرئاسة عن هذه المخالفات الدستورية. وحتى صرف الرواتب لهؤلاء المعينين بهذه الطريقة، فيه مشكلة، ولجنة الرقابة المالية تعترض على هذه النقطة. كان في إمكان مجلس الرئاسة أن يقف موقفاً اكثر جدية في هذا الموضوع. النقطة الثالثة أننا كنا متفقين مع مجلس الوزراء على برنامج، وعندما لم يُنَفَّذ بعض بنوده، كان بإمكاننا في مجلس الرئاسة ان نتخذ موقفاً أو قراراً. على الأقل تصريح علني بمطالبة البرلمان بمتابعة الموضوع، لكن المجلس لم يتخذ هذا الموقف. الرئاسة سكتت النقطة الرابعة ان المجلس (الرئيس ونائبيه) كان بإمكانه اتخاذ مواقف اكثر جدية في القضايا التي تهم الشعب العراقي. كما أن رئاسة الجمهورية تنازلت عن حقوق لها منصوص عليها في الدستور. اقرأ لك المادة 66 التي تنص على أن «تتكون السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وتمارس صلاحياتها وفقاً للدستور والقانون»، ولكن، لم تطلب رئاسة الجمهورية في أي يوم تنفيذ هذه المادة أو شرح آلياتها. ما هي حدود السلطة التنفيذية، وما دور رئاسة الجمهورية فيها، وموقعها في هذه السلطة؟ الرئاسة سكتت عن هذه الأمور. في العلاقات الخارجية أيضاً، عندما لم تعجِب الرئاسة بعض المواقف، سكتت، إلا في موقف واحد تدخلت، أقصد موضوع العلاقة مع سورية حيث بيّنت موقفاً مختلفاً عن موقف رئاسة الوزراء. أنت شخصية معروفة في الداخل والخارج، ولكن إذا جاء غداً رئيس ليست لديه هذه التجربة، فهناك خطر في تهميش موقع رئيس الجمهورية، أليس كذلك؟ - نعم، الخطر وارد. فإذا لم يُنَفَّذ الدستور، فإن رئيس الجمهورية يُهَمّش. ولكن إذا نفذ، لدى رئيس الجمهورية صلاحيات كثيرة في قضايا مهمة. فالرئيس واجبه السهر على ضمان الالتزام بالدستور، وهو يستطيع التدخل في كل ما يعتقد انه مخالف للدستور، وهذا ما لم نقم به نحن في الماضي. أيضاً موضوع الحفاظ على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أرضه يستطيع ان يتحدث به. كذلك ترشيح رئيس الوزراء، فرئيس الوزراء الأول إذا لم ينل ثقة مجلس النواب، فلرئيس الجمهورية اختيار شخص آخر. كما أن له حق الطلب من البرلمان سحب الثقة من رئيس الوزراء، وكل القوانين يجب أن يصادق عليها. وإعلان الحرب داخلياً وخارجياً لا يتم إلا بموافقة رئيس الجمهورية. إعلان الحرب؟ - نعم الحرب. خارجياً أو داخلياً لا يجوز إلا بموافقة رئيس الجمهورية وهناك الكثير من المسائل تخص الرئيس. هناك المصادقة على أحكام الإعدام التي تصدِرها المحاكم المختصة. بالمناسبة، نحن لم نوقع خلال السنوات الأربع الماضية أي حكم بالإعدام. خلال ممارستك صلاحياتك، هل شعرت، كونك كردياً، بصعوبة في الداخل؟ - لا، ولا في الخارج. هل وجدت مثلاً الحكام العرب متقبلين بسهولة ان يكون رئيس العراق كردياً؟ - نعم، وبالعكس وجدت من الود والاحترام من الرؤساء العرب ما لم يجده بعض العرب من حكام العراق، وكانت علاقتي جيدة مع جميع الزعماء العرب. حتى عندما حدث اختلاف مثلاً بين رئيس الوزراء (العراقي) وبعض البلدان العربية، استمرت علاقتي مع هذه البلدان جيدة جداً. وظّفت هذه العلاقات لاحتواء الخلاف؟ - نعم، حاولت استغلال هذه العلاقات لتحسين العلاقة بين العراق وتلك الدول. والآن لديك علاقات؟ - ربما كنت المسؤول العراقي الوحيد الذي نال وساماً من المملكة العربية السعودية. وعلاقتي بسورية ومصر والأردن والكويت وقطر والإمارات والبحرين جيدة... ليست لديّ مشكلة مع أي دولة عربية. ... جيدة مع إيران ولكن كيف ترى العلاقات العراقية - الإيرانية؟ - علاقاتي مع إيران أيضاً جيدة. وأرى أن العلاقات الإيرانية - العراقية طبيعية. جيدة في بعض النواحي. وليست جيدة في الخلافات على الحدود وعلى تطبيق اتفاق الجزائر وعلى قضية المياه. وعدا ذلك، العلاقات بين البلدين جيدة جداً. وتركيا؟ - مع تركيا أيضاً علاقاتنا جيدة... دعني اروي لكم عن صحافي كتب تعليقاً يقول إنه لا يعرف الرئيس العراقي شخصياً لكنه يحترمه ويحبه لأن قادة الجيش العراقي كلهم عرب، وهو يدافع عن قادة هذا الجيش، وهو كردي ومع ذلك يسعى الى تحسين العلاقات العراقية - التركية. - أنا لعبت دوراً مهماً في تحسين العلاقات العراقية – التركية. عندما ذهبت الى تركيا قبل سنتين كان بعض الأخوان يقترحون إلغاء الزيارة لأنها غير رسمية، وليس فيها بروتوكول وحرس شرف... الخ. قلت إن المظاهر لا تهمني، فأنا ذاهب لطرح مشروع في ذهني على الأخوان في تركيا، فإذا نجح المشروع سيكون أهم من البروتوكول. فذهبت. دعني أخبرك سراً، فيما عارض المكتب السياسي (للاتحاد الوطني الكردستاني) وافق الأخ مسعود بارزاني على ذهابي. ذهبت وجلست مع رئيسي الوزراء والجمهورية التركيين، رجب طيب أردوغان وعبدالله غل، وقلت لهما: أنا جئت لأجل علاقة استراتيجية مديدة بين العراق وتركيا. وأنا اعتقد بأن هناك عقبات أمام هذه العلاقة. كان ذلك في جلسة رسمية؟ - طلبت جلسة غير رسمية. ففي جلسة رسمية إذا طرِحت قضية كركوك سأقول إن هذه مسألة عراقية لا يجوز الكلام فيها، ولكن في الجلسة غير الرسمية نستطيع التحدث. قلت لهم ان بيننا وبينكم أربع عقبات: الأولى استقلال كردستان والثانية موضوع حزب العمال الكردستاني، والثالثة كركوك، والرابعة تتعلق بالشيعة. وشرحت لهم أن لديهم وهماً يقول إن الأكراد يريدون استقلال كردستان، وهذا غير وارد. فنحن أناس واقعيون بلغنا مرحلة النضج السياسي. قلت تصوروا أن كردستان أعلنت استقلالها. ولم تعلن تركيا وسورية وإيران والعراق الحرب عليها، بل اكتفت بإغلاق الحدود، كيف نعيش؟ كيف ننتقل، كيف نتصل؟ إذاً لا توجد إمكانية لاستقلال كردستان، ونحن في ظل عراق ديموقراطي اتحادي نستطيع أن نعمل أكثر. هنالك سوق أوسع وعلاقات اقتصادية وثقافية كبيرة وقديمة وضمان لحقوق الأكراد أيضاً، لذلك لا تخافوا من هذه الناحية. في النقطة الثانية (حزب العمال) قلت إن حرب النضال العنيف ولّت من حيث المبدأ، وأن على المناضلين وحتى المتطرفين ان يمارسوا أساليب النضال الحديثة، ومنها النضال البرلماني والإعلامي والديبلوماسي... الخ. نحن في الأصل ندين عقلية مواصلة العنف والقتال من أجل الحقوق، فكيف ونحن لدينا عدم رضا عن كثير من مواقف حزب العمال الكردستاني. هذه حقيقة موجودة على جبال واسعة من كردستان، قاتلنا لإخراجهم (مقاتلي الحزب) من هذه الجبال لكننا لم نوفق. وحدث تعاون بين الحزب الديموقراطي الكردستاني (بزعامة بارزاني) وبينكم (الأتراك)، ونحن في الاتحاد الوطني الكردستاني تعاونا معكم، والحكومة العراقية تعاونت معكم، ولم ننجح جميعاً في إخراجهم من هذه الجبال... إذاً لا تخافوا من أننا سندعم هذه الفئات ضدكم. كركوك بروكسيل ثانية؟ في قضية كركوك قلت لهم إن كركوك قضية عراقية يمكن حلها بالحوار والتوافق الداخلي، والآن إدارتها يمكن أن تكون على غرار مدينة بروكسيل، ومن ثم مصيرها يمكن أن يتقرر بتفاهم وتوافق وطني بموجب المادة 140. بالنسبة الى العقبة الرابعة أبلغتهم ألا يخافوا مقولة إن شيعة العراق هم أتباع إيران. كما هو معروف، هناك منافسة قديمة إيرانية - تركية على العراق، وشرحت لهم أن شيعة العراق يعتبرون أنهم الشيعة الأصليون في العالم، وأن المراقد الشيعية المقدسة موجودة في العراق، وأن «فاتيكان» الشيعة هي النجف الأشرف. كما أن المذهب الشيعي فيه نكهة عروبية، لذلك لا يمكن أن يتصور أحد أن شيعة العراق هم اتباع لإيران، بخاصة أن مرجعيتنا في النجف الأشرف لا تؤمن بنظرية ولاية الفقيه السائدة في إيران. شرحت مواقف وأمثلة عن أن شيعة العراق لا يطيعون إيران في الموقف من الأميركيين مثلاً، وكذلك من قضية تعيين رئيس وزراء في وقت ما يلقى تأييداً إيرانياً. من هو رئيس الوزراء؟ - الأخوة في إيران كانوا يؤيدون بعد انتخابات نهاية عام 2005 تجديد ولاية الدكتور إبراهيم الجعفري، لكنه لم يصبح رئيساً للوزراء، أيضاً كانت إيران ضد الاتفاق الأمني العراقي – الأميركي، ومع ذلك تم التوقيع عليه. قلت للأتراك: إذا تفهمتهم هذه النقاط الأربع يمكننا ان نقيم معكم علاقات استراتيجية. انتم كعراق أم كأكراد؟ - طبعاً كعراق، فأنا كنت اتحدث باعتباري رئيس جمهورية العراق. ما كانت ردود الفعل لدى الجانب التركي؟ - أسعدهم هذا الموقف، ووصفت الزيارة بأنها ثورة في العلاقات بين البلدين. الرئيسان غل وأردوغان رحبا بهذا الطرح، وحدثت لقاءات مع وفد عراقي كبير كنت أرأسه، واتفقنا مع الأتراك على جملة من المشتركات، ثم زارنا غل ومن ثم أردوغان، وتم التوقيع على اتفاق التحالف الاستراتيجي. ليس لدينا اتفاق تحالف استراتيجي مع إيران حتى اليوم، لكن أحداً لا يلحظ ذلك. لا أحد في العالم العربي يذكر أن العراق وقع اتفاقاً استراتيجياً مع تركيا ومصر ولم يوقع أي اتفاق مع إيران. ومع هذا، فإن كل الاتهامات تتحدث عن النفوذ الإيراني في العراق. هل التنافس التركي - الإيراني على العراق مفاجئ؟ - لا إنه قديم... منذ عهد العباسيين والصفويين والعثمانيين وقبل ذلك. والعراق ساحة للتجاذب بين الطرفين؟ - كان ساحة للتجاذب بين الطرفين. المثلث والتجاذب وهل العراق حالياً ساحة لهذا التجاذب؟ - أنا لا أسميه تجاذباً، ولكن هناك اليوم خلاف بين تركيا وإيران. مثلاً، أنقرة أيدت «القائمة العراقية»، لكن طهران لم تؤيدها بل أيدت قائمة التحالف الكردستاني و «دولة القانون» و «الائتلاف الوطني». تركيا قوية الى هذا الحد في العراق؟ - هناك مئات من الشركات التركية موجودة في إقليم كردستان في كل المجالات، حتى ان شركة تركية لاستخراج النفط وقعت اتفاقاً مع الحكومة في عهد صدام. بمعنى ان لتركيا مصالح اقتصادية وعلاقات واسعة مع العراق، وفي الوقت ذاته وقعت نحو 40 اتفاقاً مع تركيا في نطاق الاتفاق الاستراتيجي ليس لها مثيل في أنحاء العالم. فالنفوذ الاقتصادي والتجاري والاستثماري التركي اكثر من اية دولة اخرى في المنطقة. وهل هذا يعني أن العرب السنّة في العراق مرتاحون الى الدور التركي في مقابل الدور الإيراني؟ - هناك نوعان من السنّة العرب. منهم من هو مرتاح الى هذا الدور، ونوع آخر يخاف ولا يريد نفوذاً تركياً. إذ كانت لتركيا أطماع في الماضي بولاية الموصل. كانت تعتقد بأن الموصل جزء من الدولة التركية وأن بريطانيا احتلتها. عموماً يبدو الآن أن الأتراك عندما أيدوا «القائمة العراقية» حدث تعاطف من العرب السنّة معهم. نتحدث عن الدول المحيطة، أين الدور السوري في العراق؟ - رغبنا في أن يكون الدور السوري فاعلاً في العراق. عندما كنا في المعارضة أيدتنا سورية، والرئيس حافظ الأسد رحمه الله كان من اشد المؤيدين لنا. أيَّدَنا هذا الرجل في وقت المحنة والشدة، حيث لم يكن أحد يسلّم علينا. ولم تكن اي دولة تمنحنا تأشيرة دخول. سورية آوتنا واحترمتنا وأيدتنا بالمال والسلاح. كمعارضة عراقية أم كأكراد؟ - كمعارضة عراقية وكأكراد أيضاً، لأن حزب العمال الكردستاني لم يكن ضمن المعارضة العراقية، لكن سورية تبنته. كنا نأمل بأن تنعكس هذه الحقيقة التاريخية على الوضع الحالي، ونريد أن يكون هناك دور سوري إيجابي في العراق... للأسف هذا الدور لم يحدث في مقابل الدور الإيراني. فالإيرانيون أيدوا سقوط نظام صدام حسين وأيدوا مجلس الحكم والانتخابات وكل ما جرى في العراق من فعاليات دستورية، فيما سورية لم تؤيد. بل ان سورية لم تكن مستعدة لاستقبالنا عندما كنا في مجلس الحكم. عندما كنت رئيساً لمجلس الحكم قمت بزيارة إيران وتركيا على رأس وفد، وأردنا أن نذهب الى سورية أيضاً، لكن الجواب السوري كان أن طالباني مرحب به كصديق وليس كرئيس لمجلس الحكم في العراق. كل ذلك خلق تباعد في موقفي البلدين. أنا زرت سورية لاحقاً كرئيس جمهورية، وكان الأميركيون غير راضين عن هذه الزيارة، على رغم انهم كانوا موجودين بقوة في العراق. قلت لهم إنني ذاهب فأنا مدين لسورية وأريد إقامة علاقات جيدة معها. اصطحبت وفداً من كل الأحزاب العراقية، وأجريت حوارات مع المسؤولين السوريين واقترحت عليهم وضع اتفاق استراتيجي للتعاون بين البلدين، وحصلنا على موافقة مبدئية من السوريين، ولكن عندما عدت الى العراق، جرى استقبال للمعارضين العراقيين في سورية، ما خلق شكوكاً. كنت طرحت فكرة الزيارة والحديث عن الاتفاق الاستراتيجي على مجلس الأمن الوطني آنذاك، ولم يوافقني إلا وزير الخارجية. قالوا: ستذهب الى سورية وتعود صفر اليدين، قلت سأذهب على مسؤوليتي. بعد عودتي واستقبال الحكومة السورية رسمياً المعارضة العراقية، ذكّرني الأخوان هنا: ألم نقل لك انك لن تحقق نتائج؟ من هم المعارضة؟ - في وقتها كان استقبال للشيخ حارث الضاري. في كل الأحوال، لست نادماً على الزيارة، وقلت لهم إنها ضرورية ويجب أن نبذل جهوداً مع الأخوان في سورية، فهم لديهم حساسية إزاء الوجود الأميركي، ونحن لنا وضعنا الخاص مع أميركا. لاحقاً حدثت مشادات إعلامية حادة بين الحكومتين العراقية والسورية، نحن لم نكن موافقين على ذلك كما تعلمون. أنا شخصياً كنت أميل دائماً الى حل مشاكلنا مع سورية ثنائياً وفي غرف مقفلة. نتحدث معهم في شكل دائم ومستمر، لا أن نخرج الى الإعلام للمهاترات وتبادل الاتهامات. حدث ما حدث من تبادل اتهامات حادة، ونحن في مجلس الرئاسة أصدرنا قراراً يخالف هذه الطريقة في العلاقة. عقدة الإرهابيين بالطبع، لم يبقَ مسؤول عراقي إلا وذهب الى سورية لتحسين العلاقات، ولكن لم يحدث ذلك. والنقاط الخلافية مع دمشق تدور حول حزب «البعث» وكذلك قضية تسلل الإرهابيين من سورية الى العراق والموقف من الوجود الأميركي. الأخوة في سورية يعتقدون بأن الوجود الأميركي خطر عليهم وأن العراق محتل فيما القوات الأميركية موجودة في اليابان وكوريا الجنوبية وقطر وعدد من البلدان العربية، والأخوة في سورية يتعاملون معها كدول مستقلة. أما الأخوة الإيرانيون فكانوا تفهموا الواقع العراقي. كان لا بد من أن تكون العلاقات العراقية - السورية قوية في النواحي السياسية والاقتصادية والتجارية، وحتى العسكرية، ولكن مع الأسف هذه العلاقة لم تتطور. هي طبيعية على المستوى الديبلوماسي ولكن ليست كما نريدها، بخاصة نحن الذين عشنا في سورية، نريد علاقات استراتيجية معها. وأنا شخصياً مدين لسورية وللرئيس الخالد حافظ الأسد. طلبتم من سورية شيئاً معيناً؟ - نعم طلبنا وهم طلبوا أيضاً. طلبنا سد الطريق أمام الإرهابيين ووقف الفعاليات التي تجرى ضد العراق. لم نعترض على وجود سياسيين (معارضين) بل على وجود محطات تلفزيون مثلاً تدعو الى الحرب على العراق وتعلّم الناس كيفية استخدام السيارات المفخخة. الأخوة في سورية استجابوا وأوقفوا بعض النشاطات، لكن التسلل استمر. الحكومة السورية تقول إن الحدود طويلة ولا يمكن سد كل المنافذ، وهذا صحيح الى حد ما، لكن الحكومة العراقية تدعي أن بالإمكان سد المنافذ أمام المتسللين. بصراحة أعتقد بأن الحكومة العراقية يجب ألا تدلي بتصريحات شديدة ولا توجه اتهاماً رسمياً الى سورية. كان بالإمكان أن نحل القضية في شكل أخوي من خلال الزيارات المشتركة. وماذا طلبَت دمشق؟ - طلبت المصالحة الوطنية، وإخراج القوات الأجنبية. لم تطلب أكثر من ذلك. عزة الدوري وهل لديك معلومات عن مكان وجود عزة الدوري الآن؟ - معلومات الأجهزة الرسمية العراقية تقول إن عزة الدوري يتنقل بين العراق وسورية. هل فاتحتم سورية بهذا الشأن؟ - نعم، لكنهم ينكرون ذلك. هل يقود عمليات مقاومة؟ - يقود بعض الفصائل. هل لحزب «البعث» دور كبير في عمليات التفجير؟ - لا اعتقد. أرى أن الدور الأكبر ل «القاعدة» والمنظمات المرتبطة بها، لكن «البعث» له دور من طريق تحالف عزة الدوري وجماعته مع فصائل المقاومة. ماذا بالضبط؟ - المقاومة... فصائل المقاومة... أما الاسم الثاني في «البعث» وهو محمد يونس الأحمد فهو لا يشترك في هذه الأعمال الإرهابية. «القاعدة» ضد إيران كيف ترى وضع «القاعدة» في العراق؟ - ضعفت «القاعدة» في العراق في شكل كبير بخاصة بعد توجيه ضربات قاصمة إليها. لكن الضعف الأكبر في «القاعدة» يأتي من فقدانها الملاذ الآمن بين الناس، بخاصة العرب السنّة الذين بدأوا يفهمون أن هذه الأعمال ضد الشعب العراقي وليست ضد الأميركيين، وأن هذه الأعمال الإجرامية تسيء الى العراق ووحدته الوطنية، لذلك انقلب كثيرون من المتعاطفين مع «القاعدة»، فتكوّنت الصحوات التي انضم إليها عشرات الآلاف من العرب السنّة. هناك حديث عن علاقات بين «القاعدة» وإيران. - لا أعتقد... «القاعدة» ضد إيران. و «القاعدة» تشن الحرب في العراق ضد الشيعة وإيران دولة شيعية. كيف يمكن أن تقبل بهذا؟ وهل يحتمل أنها تستخدم «القاعدة»؟ - لا أعتقد. إيران لديها وسائل أخرى لو حاولت ان تستخدمها لديها أساليب عدة. نعود الى عزة الدوري. هل هو أبرز مطلوب؟ - لا. هو أحد المطلوبين للحكومة، والحكومة العراقية تركز جهودها على ضرب «القاعدة». هل هناك محاولات لتوحيد جناحي حزب «البعث» في رأيك؟ - لا أدري. سمعت أن نداءات صدرت من جماعة محمد يونس الأحمد ولكن لم تكن هناك استجابة من عزة الدوري. هل يمكن الوصول الى صفقة إيرانية - أميركية؟ - اعتقد أن هناك رغبة لدى الأميركيين والإيرانيين للتوصل الى أي اتفاقية بينهم. على ماذا؟ - على موضوع الملف النووي أولاً. وبعد ذلك الأميركيون والإيرانيون تعبوا من القطيعة، والطرفان يرغبان في علاقات ديبلوماسية وتجارية. متى آخر مرة كنت في إيران؟ - قبل شهرين تقريباً. هل التقيت المرشد والرئيس؟ - نعم. وهل لمست رغبة إيرانية في تسوية مع أميركا؟ - لم أبحث هذا الأمر مع المرشد ولا مع الرئيس. لكن من خلال لقاءات أخرى مع الكثير من العناصر الإيرانية لمست الرغبة في حل المشكلات القائمة مع أميركا، من أفغانستان الى لبنان الى فلسطين والعراق. جزاء إيران بعد أفغانستان ماذا تريد إيران؟ حصة كدولة كبرى في المنطقة؟ - إيران لا تقول إنها تريد حصة، بل تقول إنها تريد علاقات طبيعية مع أميركا وإنهاء العداوة والحصار وحجز الأموال الإيرانية في أميركا. وهي تؤكد أنها ساعدت أميركا في أفغانستان لكنها نالت جزاء سنمار. مرة قال لي وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في هذا البيت (مقر إقامة طالباني): قل لصديقك السفير الأميركي زلماي خليل زاد، وكان يومها سفيراً في بغداد. ماذا يريد الأميركيون منا؟ نحن أيدنا تحرير العراق من صدام وأيدنا مجلس الحكم وانتخاب رئيس الجمهورية، وأيدنا هذا الوضع الجديد الذي أقامه الأميركيون في العراق. لا يوجد شيء عمله الأميركيون لم نؤيده، فقل لصديقك ماذا يريدون منا اكثر؟... نقلت هذا الكلام لخليل زاد فقال لي: «نريد الاستقرار والأمن في العراق». حاولنا الجمع بين خليل زاد ومتقي، لكننا لم ننجح. كنا توصلنا الى موافقة مبدئية من الطرفين ثم ذهبت كوندوليزا رايس الى الكونغرس ولمّحت الى هذا اللقاء الذي كان يفترض ان يلتئم في شكل سري، فتراجع الإيرانيون. ما أقصده أن إيران ترغب في حل هذه المشاكل وإقامة علاقات جيدة مع أميركا. لنعد الى الأزمة الحكومية اليوم. هل هناك مخرج؟ - نعم. مررنا بالكثير من الأزمات، في السابق كان كثيرون يعتقدون بأن قانون الانتخابات لن يقرّ، لكنه أقر. وكان كثيرون يعتقدون بأن الانتخابات لن تجرى، لكنها أجريت. كثير من المشاكل حدث في العراق وكان بعضهم يعتقد بأن العراقيين غير قادرين على حلها. وهذه الأزمة من بينها. لا حرب أهلية هل هناك خطر حرب أهلية جديدة؟ - لا. لا يوجد خطر حرب أهلية. هل يمكن أن ترى غير نوري المالكي رئيساً للوزراء؟ - توجد أسماء. ولكن هل يستطيع احد منهم تشكيل الوزارة وحده، لا الأخ المالكي ولا الأخ (إياد) علاوي ولا الأخ عادل عبد المهدي. لذلك لا بد من توافق وطني لتشكيلها. فالوزارة يجب أن تكون وزارة شراكة من دون تهميش لطرف، والقضية لا تتعلق فقط برئيس الوزراء. لا يبدو أن لديك قلقاً من عدم إسناد منصب الرئاسة إليك. تبدو مطمئناً؟ - لم أكن مشتاقاً لترشيح نفسي لرئاسة الجمهورية. فخامة الرئيس، دائماً يقول الحاكم انه زاهد في كرسي الحكم. - لا، ليست قضية حاكم، أنا لديّ شهود. فقد حاول كثيرون منهم إقناعي بالترشح مرة ثانية. وحتى في حزبي الاتحاد الوطني، كان بعضهم يقول ان رئيس الجمهورية ليست لديه صلاحيات، وأن الحزب يخسر عندما تذهب. لم أقم بأي دعاية وأي جهد باتجاه المنصب. قلت: إذا كان الأخوة العراقيون يريدون مني أن أترشح للمنصب فأهلاً وسهلاً، وإلا فإن مركزي موجود في السليمانية كأمين عام للاتحاد الوطني الكردستاني. كل الكتل التي فازت (في الانتخابات) قالت إنها تريدني لهذه المرحلة، وأن وجودي ضروري. مرة قلت لي موالاً يردده العراقيون حول الرئيس الكردي؟ - (ضاحكاً) يقولون: «لا قصب لا حصران لا عندنا بردي... فوق القهر والضيم رئيسنا كردي».