حين اندلعت تظاهرات 25 كانون الثاني (يناير) عام 2011 لم يكن متصوراً أن تنتهي بإسقاط الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ أن المخططين لها أرادوا فقط إطلاق صرخة ضد الممارسات القمعية لجهاز الشرطة قبل الثورة، فحولوا «عيد الشرطة» يوماً للاحتجاج، بعدما تعددت وقائع التعذيب في الأقسام وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أشدها أثراً مقتل الشاب خالد سعيد في عام 2010 جراء تعذيبه في أحد المقرات الأمنية في الاسكندرية. وفي «جمعة الغضب» في 28 كانون الثاني 2011 كان جهاز الشرطة أول من دفع «فاتورة الغضب»، فخارت قواه أمام طوفان بشري استهدف تدمير مقرات وأقسام الشرطة، وفرّت تشكيلات الأمن المركزي من الشوارع للنجاة من مواجهة ملايين المتظاهرين. وكان وزير الداخلية السابق حبيب العادلي أول المُقالين والموقوفين من رجال مبارك، في محاولة لإنقاذ النظام، بعدما تهاوى أهم أعمدته. وبعد «ثورة 25 يناير» بُذلت جهود عدة لرأب الصدع بين الشعب والشرطة، أتت ثمارها خلال موجة الاحتجاجات التي اندلعت في 30 حزيران (يونيو) الماضي ضد حكم جماعة «الإخوان المسلمين»، حين أعلنت وزارة الداخلية عدم مواجهة المتظاهرين، حتى أن التظاهرات العارمة التي اندلعت في محافظات عدة وانتهت بعزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) الماضي شهدت مشاركة بعض أفراد الشرطة. وانخرطت الشرطة في مواجهات دامية مع مسلحين يعتقد بأنهم من أنصار مرسي منذ ذلك الحين، تركزت غالبيتها في شبه جزيرة سيناء وفقدت فيها أكثر من 100 قتيل، ما أكسبها تعاطفاً شعبياً ساعد في رأب الصدع القديم جزئياً. لكن ممارسات بعض ضباط الشرطة بدأت تتحول عبئاً على الحكم الموقت، خصوصاً بعدما ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على نشر مقاطع مصورة لوقائع تعذيب واعتداءات تأكد أن بعضها تم بعد عزل مرسي، ما رسّخ اعتقاداً لدى كثيرين بأن الشرطة عادت إلى سابق عهدها. وانتشر على نطاق واسع مقطع مصور لشاب مقيد اليدين ومعصوم العينين وقد جُرد من بعض ملابسه، فيما ينخرط رجل في جلده بسوط وسط صرخات الشاب المقيد وتوسلات لا تجد صدى لدى جلاده الذي قال ناشر الشريط إنه شرطي في قسم شرطة «أبو قرقاص» في محافظة المنيا (جنوب مصر). وسمعت أصوات يعتقد بأنها لأفراد في الشرطة يسبون الرجل بألفاظ نابية. وتُرجح صحة الشريط، إذ لم تنف وزارة الداخلية الواقعة. وفي فيديو آخر يظهر ضابط شرطة يرتدي الزي الرسمي وسط مجموعة من قواته قبل أن يبدأ سب ولكم وركل سيدات محجبات ومتنقبات يُعتقد بأنهن متظاهرات مؤيدات لمرسي. وأثار الشريطان غضباً نظراً إلى خصوصية وحساسية مسألة الاعتداء على النساء. واستغلها «تحالف دعم الشرعية» المؤيد لمرسي في الدعوة إلى تظاهرات أمس تحت شعار «نساء مصر خط أحمر»، وليكيل الاتهامات للحكم الموقت. كما روى مراسل قناة «إم بي سي مصر» في محافظة المنيا إسلام فتحي لوسائل إعلام محلية تفاصيل «مُرعبة» لتعذيب قال إنه تعرض له في قسم شرطة بندر المنيا بعدما قبض عليه إثر مشادة مع ضابط رفض دخوله كردوناً أمنياً فرض حول بناية انهارت وأراد المراسل تصويرها. وطالب الناطق باسم حزب «النور» السلفي شريف طه بإجراء تحقيق حاسم في قضايا «تعذيب المعتقلين» وتقديم مرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة مهما كانت رتبهم. وقال طه في بيان: «من غير المقبول العودة إلى ثنائية إما الأمن أو الكرامة. على أجهزة الأمن العمل في ظل احترام القانون وآدمية الإنسان وكرامة المواطن»، معتبراً أن «مشاهد التعدي على المعتقلين في أبو قرقاص والإسكندرية، تعيد إلى الأذهان مشاهد التعذيب التي سادت في السنوات الأخيرة من عصر مبارك والتي كانت سبباً في انفجار ثورة 25 يناير». وأعربت «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» عن «انزعاجها الشديد» من استمرار تصاعد وتيرة «الاعتداءات على الحريات الإعلامية»، بعد اعتقال مدير مكتب قناة «العالم» الإيرانية أحمد السويفي من منزله. وقالت في بيان إن «عهد وزير الداخلية السفاح حبيب العادلي يطل برأسه من جديد، فالأساليب الأمنية الموروثة عن دولة مبارك البوليسية التي تعصف بدولة القانون وتهدر حقوق الإنسان تعود أمامنا من جديد. وتأتي واقعة قيام زوار الليل باعتقال الصحافي أحمد السويفي بعد أيام قليلة من تعذيب مراسل أم بي سي مصر في قسم بندر المنيا، ما يؤكد ضرورة سرعة إعادة هيكلة وزارة الداخلية وإقالة الوزير محمد إبراهيم».