اختتمت أمس الجولة الأولى من المرحلة الأخيرة في انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) المصري، وسط مؤشرات على اكتساح الإسلاميين، خصوصاً حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، فيما أفصحت الجماعة عن رأيها في الجدال الدائر في شأن تشكيلها حكومة جديدة بأن أبدت تفهماً لتمسك المجلس العسكري الحاكم بالحكومة الانتقالية برئاسة كمال الجنزوري، لكنها شددت على ضرورة تكليفها تشكيل حكومة عقب انتخاب الرئيس الجديد «تعبيراً عن الإرادة الشعبية التي منحت الثقة للإخوان في الانتخابات البرلمانية». وشهد ثاني أيام التصويت في المرحلة الثانية من انتخابات الشورى إقبالاً ضعيفاً للغاية على مراكز الاقتراع في محافظات الجيزة والقليوبية والشرقية والبحيرة وكفر الشيخ والإسماعيلية وبورسعيد والسويس ومطروح وبني سويف والمنيا وسوهاج والأقصر وأسوان. وستُجرى جولة الإعادة على المقاعد الفردية الأربعاء المقبل ليعقد المجلس أولى جلساته نهاية الشهر. ورغم أن الإعلان الدستوري منح المجلس صلاحية المشاركة مع مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) في اختيار الجمعية التأسيسية التي سيُخوَّل لها وضع الدستور الجديد للبلاد، لكن القوى السياسية عدا الإسلامية منها أبدت عزوفاً نسبياً عن المنافسة على مقاعد الشورى، فيما أحجم الناخبون عن الاقتراع، إذ بدت اللجان خاوية إلا من الموظفين والقضاة المشرفين على العملية الانتخابية. وبدت المنافسة على مقاعد المجلس إسلامية - إسلامية، وإن كانت التوقعات تشير إلى أن الغلبة ستكون لحزب «الحرية والعدالة»، في ظل الحضور الضعيف للقوى المدنية في هذه الانتخابات. وقد يعزز هذا التقدم مطالبات الحزب بتشكيل حكومة. وفي حين أبدى رئيس الحزب محمد مرسي تمسكاً بحق حزبه في تشكيل حكومة، أصرَّ المجلس العسكري على بقاء حكومة الجنزوري لحين انتهاء الفترة الانتقالية. وقال مرسي لدى إدلائه بصوته في انتخابات الشورى في محافظة الشرقية (دلتا النيل) إن «تشكيل «الحرية والعدالة» لحكومة «مسؤولية كبيرة وتكليف وليس تشريفاً». وأشار إلى أن «الأكثرية البرلمانية التي حظي بها الحزب تضع على كاهل أعضائه إلزاماً وواجباً وطنياً بأن يتولى المسؤولية نحو التنمية والاستقرار السياسي والاقتصادي». ونفى مسؤول عسكري وجود أي مشاورات مع جماعة «الإخوان» أو حزبها لتشكيل حكومة ائتلافية برئاسة الجنزوري، كما رددت تقارير إعلامية. وقال إن «حكومة الجنزوري باقية ومستمرة حتى نهاية المرحلة الانتقالية»، مشيراً إلى أن «الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية قصيرة، ولا تستدعي تغيير أو تشكيل حكومة جديدة». وقال الناطق باسم «الإخوان» محمود غزلان ل «الحياة» «إن الجماعة ظلت عازفة عن المشاركة في الحكومات الانتقالية قبل الانتخابات لأنها حكومات قلقة ولا تستند إلى شرعية شعبية، كما أننا لم نكن نعرف الأوزان النسبية للقوى والأحزاب في مصر»، مشيراً إلى أن «الجماعة كانت تتوقع أن تكون أحداث مجلس الوزراء آخر المآسي التي يعيشها الشارع المصري، لكن حصلت كارثة مروعة في بورسعيد، ولم يُعاقَب الفاعل في هذه الكارثة ولا الكوارث التي سبقتها، فضلاً عن أن انتخابات البرلمان تمت، وعرفنا الوزن النسبي للإخوان في المجلس، وبالتالي في الشارع، والجماهير تسأل ماذا فعل الإخوان؟ والمناوئون السياسيون يرددون أننا غير قادرين على تحمل المسؤولية، ومن هنا أعلنا أننا مستعدون لتشكيل الحكومة متى طُلِب منا، حتى تصل هذه الدعوة إلى آذان المجلس العسكري الذي جاء رده سلبياً، فتوقفت المساعي في هذا الصدد». وأضاف: «نحن جاهزون لتشكيل الحكومة، لكن النظام المتبع الآن يمنح المجلس العسكري، بصفته القائم بمهام رئيس الجمهورية، صلاحية تشكيل الحكومة سواء من الكتلة الفائزة في انتخابات البرلمان أو من خارجها، ويبدو أن المجلس غير راغب بتكليف الإخوان ومتمسك بالجنزوري، وبالتالي لم يعد أمامنا إلا الصدام مع المجلس العسكري وتحميل البلاد ما لا تحتمل أو الانتظار حتى انتهاء المرحلة الانتقالية بعد أشهر وتنصيب رئيس جديد للبلاد كي يُسنَد إلينا تشكيل الحكومة». واعتبر أن «من المنطقي أن يسند الرئيس الجديد الحكومة إلى الإخوان على اعتبار أنهم حازوا ثقة الشارع، وقد يغير المجلس العسكري رأيه ويكلفنا بتشكيل حكومة جديدة». لكنه أضاف: «لن نخوض معركة من أجل تشكيل حكومة انتقالية تستمر بضعة أشهر لأن البلد لا تحتمل، ولكن من حقنا تشكيل حكومة دائمة بعد اكتمال انتخاب مؤسسات الدولة وتنصيب الرئيس». من جهة أخرى، أصدرت نيابة بورسعيد أمس قراراً بإخلاء سبيل 22 متهماً في أعمال العنف التي شهدها استاد بورسعيد مطلع الشهر الجاري بعد مباراة لكرة القدم أسقطت 74 قتيلاً. وقررت النيابة تجديد حبس 57 متهماً آخرين لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات. وجاء قرار النيابة في أعقاب عدم تعرف المجني عليهم من جمهور النادي الأهلي على أي منهم، إذ تبين للنيابة عدم وجود أي دور لهم في الأحداث خصوصاً بعد عرض صورهم على الشهود من الصور الملتقطة بكاميرات المراقبة والمحطات الفضائية، وبعد أن أكدت تحريات الشرطة عدم وجود دور لهم في تلك الأحداث. محاكمة مبارك من جهة اخرى، شهدت جلسة محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه في قضية قتل المتظاهرين أمس وقائع مثيرة بعدما عرض دفاع مدير أمن الجيزة السابق اللواء أسامة المراسي شريطاً مصوراً قال إن أجهزة وزارة الداخلية سجَّلته، واعتبر أنه «دليل براءة موكلي من تهمة القتل». لكن النيابة العامة رأت فيه «دليل إدانة لكل المتهمين» على اعتبار أنه يثبت وجود الشرطة في الشارع أثناء وبعد تظاهرات «جمعة الغضب» في 28 كانون الثاني (يناير)، ما يفند دفع المتهمين بأن الشرطة غير مسؤولة عن وقائع القتل على اعتبار أن القوات المسلحة تولت المسؤولية الأمنية عقب قرار مبارك استدعاء الجيش لضبط الأمن في الشارع. وكان دفاع المراسي المحامي ماهر بيبرس عرض على المحكمة مقطعاً مصوراً قال إن «وزارة الداخلية أعدته بعد الأحداث مباشرة من أجل تحفيز القوات والضباط على العمل». وما أن بدأ عرض الشريط إلا وانتبه العادلي ومساعدوه لما يحتويه من وقائع الاعتداء على قسم شرطة الوراق في القاهرة قبل الثورة بأيام، فيما المراسي يسعى إلى تهدئة الموقف مطالباً جنوده بالتعامل مع المواطنين بالحسنى. واحتوى الشريط حوارات للمراسي مع المتظاهرين، ووقائع حرق وسرقة قسم شرطة في الجيزة في وجود قوات الجيش التي لم تتدخل لتفريق المتظاهرين. وقال دفاع المراسي إن «من يسرقون ويحرقون القسم ليسوا متظاهرين سلميين». وردَّ المدعون بالحق المدني بأن «هؤلاء بلطجية وشرطة سرية وهم ضحايا مبارك». ثم عرض الشريط مشاهد للمراسي وسط اللجان الشعبية بعد انهيار الأوضاع الأمنية عقب أحداث الثورة، فضلاً عن عدد من اجتماعات المراسي مع الضباط في الأقسام وتأكيده لهم أنهم «مقيدون بعدم استخدام السلاح وعدم إطلاق النار إلا لحماية المنشآت»، ولقاء لوزير الداخلية السابق محمود وجدي مع المراسي وضباط مديرية أمن الجيزة أكد خلاله المراسي أن «مصر كلها لا بد من أن تعرف أن ضباط الشرطة ليسوا خونة ولم يهربوا ولم ينسحبوا وغير متقاعسين»، وتأكيد وجدي أن «الشرطة لم تُقصِّر في 25 كانون الثاني (يناير) بل عملت أكثر من طاقتها». وبعد انتهاء عرض الفيديو علَّق ممثل الادعاء المستشار مصطفى خاطر بأن «تلك الأسطوانة أشار الدفاع إلى أن وزارة الداخلية هي من أعدتها، وبالتالي هي أسطوانة موثقة من جهة أمنية، وثابت فيها أن قوات الشرطة كانت موجودة حتى 31 كانون الثاني (يناير)، على عكس ما ذكره دفاع جميع المتهمين من أن الشرطة لم توجد في أي مكان بمجرد نزول القوات المسلحة عصر 28 كانون الثاني (يناير)». وأضاف أنه «ثبت أن التظاهرات التي كانت تعبر أمام مديرية أمن الجيزة كانت سلمية، بل وتحمي المديرية في بعض الأحيان، وأن المراسي أقر في الشريط بوصول شكاوى من المواطنين ضد الضباط وأمناء الشرطة، وربما كان ذلك الباعث على الثورة لرفع ظلم وقهر الشرطة ضد الشعب، وكان السبب في تحريض العادلي ومساعديه للضباط على قتل المتظاهرين».