«نحن مجموعة من الشباب الفلسطيني والسوري يجمعهم حب الفن والوطن»، هكذا يعرّف «تجمع فناني فلسطين» عن نفسه، محاولاً البحث عن صيغة فنية بعيدة من السياسة وأصحابها، وحينما يعجز فنانو التجمع عن الظفر بمكان لعرض لوحاتهم يلجأون إلى الفايسبوك، ناشرين لوحاتهم تحت مسمى «معرض إلكتروني» متفائلين بغدٍ يُخرِج لوحاتهم إلى الواقع ويكسر قيد الافتراض. تحت عنوان «أبيض وأسود» يفتتح خمسة عشر فناناً من فلسطين وسورية معرضهم الإلكتروني، بعد ما رفض الواقع استقبال أعمالهم الفنية، مؤكدين بلوحاتهم هذه أن المدافع لا تُسكت ريشة الفنان، ولا تُخفي بريق لوحته. «أبيض وأسود» لم يكن المعرض الإلكتروني الأول الذي يقوم به «تجمع فناني فلسطين» بل سبقته سبعة معارض كان من المفترض أن تعرض في أماكن مختلفة من العاصمة السورية دمشق، لاسيما مخيم اليرموك. وقوع المخيم تحت سيطرة الجيش الحر وفرض النظام حالة حصار خانق عليه منذ عشرة أشهر وتحويله إلى ساحة صراع، لم يثنِ هؤلاء الفنانين عن العمل على لوحاتهم في أماكن نزوحهم (دمشق، لبنان، أوروبا) مستبدلين جدران المعارض بجدران الفايسبوك الافتراضية. كان للعرض على الفايسبوك سلبيته، فاللوحات التشكيلية ذات الألوان الزيتية افتقدت التمايز اللوني الذي تظهر به في الواقع. فقدت لوحات الفنانين محمد طنجي، رائد القطاني، زياد العبو، سامي رفاعي، صديقة شريفة، عماد الوهبي، عبادة قطناني، قاسم عمية، لينا نبهاني، محمد السعدي، نبيل صفية، يحيى عشماوي... بعضاً من بريقها بسبب اختلاف دقة ألوانها على الشاشة عما هي عليه في الواقع، إلا أن ذلك لم يُنقص من جماليتها بالكامل، إذ تمكنت اللوحات من نقل أفكار رساميها، واحترافيتهم. وفي الوقت ذاته حظيت الصور الضوئية بحظ أوفر، لاسيما وأن عرضها على الشاشة لم يفقدها أياً من جماليتها، كذلك كان حال صور «الديزاين» التي صُممت على الكمبيوتر. طغت أفكار الموت والحرب والشتات على لوحات المعرض، وهذا ما تمثل بشيوع حزم الألوان الداكنة (الأسود، والبني بتدرجاته) على بعض اللوحات التي عبرت عن واقع حال الفلسطينيين في سورية اليوم، ومثالها لوحات الفنان أنس سلامة الذي جعل من بقايا فناجين القهوة مادة خاماً لرسم لوحاته التي صور بها على طريقته الفنية جانباً من مأساة الفلسطينيين في الثورة السورية. وكان للّوحات الكاريكاتورية أثر كبير من جهة علاقتها مع واقع الحال الفلسطيني والسوري اليوم، إذ سعى الفنان هاني عباس إلى محاكاة المرحلة السورية إنسانياً من خلال رسوم كاركاتورية ساخرة تميزت بابتعادها عن التكلف اللوني ونحت نحو البساطة في الرسم. يتحول عنوان «أبيض وأسود» من دالٍّ يشير إلى ثنائيات خير وشر، حياة موت... إلى دالٍّ على أن الريشة ستبقى حاضرة في رسم المشهد السوري، ولو كانت البنادق هي التي ترسم اللوحة السورية اليوم.