يمرّ الاقتصاد العالمي بتغيّرات هيكلية عميقة، إذ سيختفي خلال العقد المقبل العاملان اللذان كانا يدفعان التدفقات الاستثمارية والتجارية خلال السنوات ال20 الماضية، وهما اعتماد الولاياتالمتحدة على استيراد الطاقة من الشرق الأوسط، والفائض في الحساب الجاري الصيني. وسينتج من هذه التغيّرات زيادة في الاعتماد التجاري بين دول آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً بين الهند والصين من جهة والسعودية والكويت وقطر والإمارات من جهة أخرى. وأشار كبير الاقتصاديين في شركة «آسيا للاستثمار» فرانسيسكو كينتانا إلى أن «الولاياتالمتحدة، أكبر مستورد للنفط في العالم، تتجه نحو الاكتفاء الذاتي من مواردها الطبيعية للطاقة مع تطويرها لتكنولوجيا وعمليات استخراج النفط والغاز الصخري». ولفت إلى أن «أثر هذه الخطوة يظهر في حجم تصدير النفط من الخليج إلى الولاياتالمتحدة، التي كانت تستورد بين 20 و25 في المئة من إجمالي حجم النفط السعودي منذ 10 سنين، لتتراجع النسبة إلى أقل من 13.5 في المئة». وأكد أن «آسيا ما زالت بحاجة إلى النفط الخليجي لسد حاجتها النامية، فالصين تستورد أكثر من ستة ملايين برميل يومياً، أكثر من ثلثها من دول الخليج، كما ستتطلب استدامة النمو في آسيا مستقبلاً توافر موارد النفط الخليجي في شكل منتظم». وتوقعت «إدارة معلومات الطاقة الأميركية» (إي آي أي) ارتفاع واردات الصين النفطية خلال السنوات المقبلة من ستة ملايين برميل يومياً حالياً إلى 8.7 مليون بحلول عام 2020، بينما ستنخفض واردات الولاياتالمتحدة من 13.5 مليون برميل يومياً عام 2005 إلى 6.8 مليون عام 2020. وأشار كينتانا إلى أن «حتى عام 2040، يُتوقع أن يزيد استهلاك النفط في الصين 2 في المئة، وفي الهند 2.6 في المئة، وفي باقي دول آسيا 1.8 في المئة، مقارنة ب0.8 في المئة على المستوى العالمي، ما يمثل ضمانة لدول الخليج مقابل هبوط الطلب الأميركي». وأضاف: «العامل الثاني الذي يؤثر في الاقتصاد العالمي هو التحول الذي يشهده نموذج النمو الصيني، فمع انتقال الموازين التجارية في دول آسيا إلى مرحلة السالب، ستعزز الحاجة إلى محفزات تمويلية من الخارج لدعم النمو، وحتى فترة قريبة، كانت آسيا تعتمد على الصادرات لتأمين هذه المحفزات المالية للنمو، ولكن اليوم تشهد الهند ودول أخرى من جنوب شرقي آسيا عجزاً في موازينها التجارية، وقد يتزايد هذا العجز مع تركيز هذه الاقتصادات على أسواقها المحلية». وبيّن أن «الصين فقدت أكثر من نصف الفائض الذي حققته عام 2008، ويُتوقع أن تسجل عجزاً تجارياً خلال السنوات القليلة المقبلة، ما سيتطلب تمويلاً خارجياً، سواء عبر استثمارات المحافظ أو الاستثمارات المباشرة». وبعكس آسيا، ستستمر دول الخليج في تحقيق فائض في ميزانها التجاري، وسيدفع هذا الخلل في التوازن العالمي إلى إعادة التوازن في توزيع الاستثمارات. وأكد أن «المحافظ السيادية في الشرق الأوسط، المنكشفة على الاقتصادات الغربية، ستلعب دوراً مهماً في إعادة التوازن»، مشيراً إلى أن «دراسة أعدتها جامعة هارفارد لتحليل عمليات المحافظ السيادية خلال العقدين قبل أزمة عام 2008، أظهرت أن المحافظ السيادية في الشرق الأوسط استثمرت 62 في المئة من عملياتها في أوروبا وأميركا الشمالية، و16.5 في المئة في الشرق الأوسط، و17 في المئة فقط في دول آسيا، ما يُعتبر أقل من وزن آسيا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي البالغ 21.5 في المئة ويتوقع أن يرتفع إلى 31.6 في المئة عام 2020، بينما سنخفض وزن الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان من 53 إلى 45.5 في المئة». وفي حال تقسيم الثروات بحسب وزن الاقتصاد ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فسيتم مباشرة تحويل 85 بليون دولار من الأسواق المتقدمة إلى أسواق آسيا الناشئة. وأظهرت خطط بعض الصناديق السيادية تحويل استثماراتها إلى آسيا، إذ ينوي «جهاز أبوظبي للاستثمار» استثمار ما بين 8 و12 في المئة من محفظته، التي تفوق 500 بليون دولار، في أسهم الأسواق الناشئة، بحيث تكون دول آسيا الوجهة الرئيسة. ولذلك، يشهد العالم اليوم بداية تحالف اقتصادي استراتيجي بين آسيا ودول مجلس التعاون، سيكون دوره محورياً في تحديد توجه الاقتصاد العالمي خلال النصف الأول من القرن الحالي.