تتعدد صور الإحصار، فالصورة الأولى كأن يشترط المحرم عند إحرامه أنَّ له أن يتحلل من إحرامه إذا حبسه حابس ما، فهذا له أن يحلَّ متى ما وُجد ذلك الحابس والمانع، ولا شيء عليه، لا هدي ولا قضاء ولا غيرهما، لأن للشرط تأثيرٌ في العبادات، ومما يشهد لذلك حديث ضُباعة بنت الزبير رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- : «إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها: حجي واشترطي أن محِلِّي حيث حبستني»، لكن إذا كان إحرامه لحج الفريضة فلا يسقط الواجب عنه، بل يبقى في ذمته حتى يؤديه. أما الصورة الثانية، فهي أن يكون الإحصار بسبب عدو أو قاطع طريق ونحو ذلك، فيُمنع المحرم من الوصول إلى مكة، ففي هذه الحال يحلُّ للمحرم أن يتحلل من إحرامه، ويلزمه دم يذبحه حيث أحصر سواء أكان في الحرم أم في غيره، ثم يحلق أو يقصر، لقوله تعالى: «فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي»، ولأن النبي أمر أصحابه يوم الحديبية حين منعته قريش من دخول مكة أن ينحروا ويحلقوا ويحلِّوا، ولا فرق بين الحصر العام في حق الحجاج كلهم، وبين الحصر الخاص بالفرد باتفاق أهل العلم. وأما إن تمكن المحصر من الوصول إلى البيت من طريق أخرى تعين عليه ذلك، ولزمه سلوكها سواء بعدت أم قربت، ولم يُبَح له التحلل. وسواء أحصر المحرم عن البيت قبل الوقوف أم بعده، فله التحلل في أحد قولي العلماء، وأما إن كان ما أحصر عنه ليس من أركان الحج كالمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار وطواف الوداع، فليس له أن يتحلل، لأن صحة الحج لا تتوقف عليه، ويجب عليه دم لتركه الواجب وقيل لا يجب لأن الواجب سقط عنه بالعجز، فإن عَدِمَ المُحْصَر الهدي ففي انتقاله إلى البدل خلاف بين أهل العلم. أما الصورة الثالثة فهي أن يُمنع المحرم من الوصول إلى الحرم لعذر غير العدو، كمرض أو فَقْدِ نفقة أو ضياع الطريق أو غير ذلك من العوائق، فهذه الصورة محل خلاف بين أهل العلم، وننبّه على مسألة أن من نوى التحلل لغير عذر فإنه لا يحل بنيته تلك، ولا يبطل إحرامه، ولا يخرج عن أحكامه بنية الخروج، لأن رفض الإحرام لغو باتفاق العلماء، بل يلزمه أن يمضي فيه ويتمه لقوله جل وعلا: «وأَتموا الحج والعمرة لله».