حرب اقتصادية صغيرة وحظر للتبادلات ومشاحنات في شأن القاعدة البحرية في سيباستوبول: بدأت اللعبة بين روسيا وأوكرانيا. لم تتوتر العلاقات على هذا النحو بين ابني العم السلافيين منذ وصول حزب المناطق المصنف مؤيداً للروس، الى السلطة في كييف في 2009. وليس لدى الرئيس الأوكراني فيكتور ايانوكوفيتش الذي يتقن لغة بوشكين أفضل بكثير من إتقانه لغة الشاعر الأوكراني تاراس شفتشنكو (1814-1861)، أي رغبة في الانضمام الى الاتحاد الجمركي الروسي- البيلاروسي- الكازاخي الذي يسعى الكرملين الى فرضه منذ بضعة أعوام. يفترض بالتجمع هذا ان يشكل قاعدة الاتحاد الاوراسي، أي المشروع الرائد لدى فلاديمير بوتين. من دون اوكرانيا، البلد الصناعي بسكانه ال52 مليوناً والذي ينتظر الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، سيكون المشروع ناقصاً جداً. لإعادة أوكرانيا الى الحظيرة، ضاعف الكرملين في الشهور القليلة الماضية تهديداته وضرباته تحت الحزام، اضافة الى منع السلطات الوقائية الروسية للشوكولا الاوكراني الذي اصبح فجأة «مسبباً للسرطان»، بين إجراءات أخرى، وأعقبه منع الجمارك الروسية دخول السلع الآتية من أوكرانيا في آب (اغسطس). بذلك تكون النخبة العسكرية الامنية الحاكمة في روسيا ساعدت كثيراً في دفع كييف الى أحضان الاتحاد الأوروبي. يفضل الصناعيون في حزب المناطق، غير الراغبين في رؤية الاوليغارشيين الروس يسيطرون على موارد اوكرانيا (المناجم والتعدين والبناء والصناعات الميكانيكية)، ان ينظروا في اتجاه بروكسيل بدلاً من موسكو. وفي حال جرت الامور كما هو مخطط، ستوقع اوكرانيا في فيلنوس (عاصمة ليتوانيا) نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) اتفاق الشراكة والتبادل الحر الذي عرضه الاتحاد الاوروبي، في خطوة تبعدها قليلاً من وصاية الأخ الأكبر الروسي. وقلصت المجموعة الاوكرانية العامة للطاقة «نافتوغاز» 30 في المئة من وارداتها من الغاز الروسي في 2013، في حين تضاعف حجم واردات الغاز الآتي من أوروبا. في نظر موسكو، يبدو الغزل بين كييف وبروكسيل بمثابة خيانة. وبربط مسارها بدول الاتحاد الاوروبي الثماني والعشرين، ترتكب اوكرانيا، الزوجة الخائنة «عملاً انتحارياً»، وفق ما حذر مستشار بوتين الاقتصادي سيرغي غلازييف، المناهض لليبرالية. ويحيك الكرملين انتقامه. الإجراءات العقابية باتت جاهزة، خصوصاً تعزيز الرقابة على السلع الأوكرانية، اضافة الى انهاء التعرفات التفضيلية التي تمنحها روسيا للسلع تلك. ولا يقبل بوتين الذي يستحوذ عليه الحنين الى الزمن السوفياتي، حقيقة ان اوكرانيا التي حصلت على استقلالها بفضل انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، دولة ذات سيادة. وقال لعدد من صحافيي تلفزيون «القناة الاولى» الروسية ولوكالة «اسوشيتد برس» الاميركية الذين جاؤوا لمقابلته في الرابع من أيلول (سبتمبر): «نحن أمة واحدة (...) ولدينا دين وإيمان وثقافة ولغات وعقليات مشتركة ومتشابهة. ولدينا طبعاً خصائص إثنية (...) وبالمناسبة اعشق الثقافة الأوكرانية». للأوكرانيين- الذين كان الروس يسمونهم «الروس الصغار»- الحق في ممارسة فنونهم الشعبية ولكن لا حق لهم بالسيادة. وأضاف بوتين الذي اصبح نصيرا متحمسا للقضية الارثوذكسية منذ بدأ ينظر الى نفسه كقيصر يعتزم البقاء ثمانية عشر عاما أو أكثر على العرش «أوكرانيا منطقة. لا ينبغي نسيان اننا ولدنا من عمادة كييف، لقد جاءت روسيا والروس من هنا». وكان بوتين يريد، من دون شك، أن يعمل التعاون الروسي- الاوكراني مثلما يعمل مرفأ أكتيابرسك. يشكل هذا المرفأ الواقع جنوب اوكرانيا قاعدة لشحن كميات الاسلحة المباعة بشرعية كاملة من روسيا (المصدر الثاني عالميا للسلاح) ولأوكرانيا (المصدر العاشر) الى الانظمة التسلطية في افريقيا وآسيا والشرق الاوسط. وفي 1962 ومن اكتيابرسك الواقع على طرف البحر الأسود، خرجت شحنة الصواريخ التي سببت الأزمة الكوبية الشهيرة وكادت تتحول حرباً بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. ثمة بعض من الاتحاد السوفياتي ما زال موجوداً في اكتيابرسك، حيث يعيش الروس والأوكرانيون في حالة حب مثالية. ويوضح توم والاس وفارلي مسكو في تقرير نشر على الانترنت في أيلول ان «موسكو تمارس سيطرة كاملة على اكتيابرسك رغم وقوعه في اوكرانيا. ولمالك المرفأ ومشغليه علاقات وثيقة مع العسكر الروس ومع الكرملين». ويوضح هذا النص الموثق توثيقاً ممتازاً الأطر التي تعمل «شبكة أوديسا» ضمنها، سواء الشركات المنخرطة في شحن الاسلحة وهو نشاط عادي لكنه غير شفاف. وطوال شهرين تمكن الباحثان الاميركيان العاملان في منظمة «سي 4 أدز» غير الحكومية من تسجيل انطلاق السفن من اكتيابرسك. وبين 2012 و2013، لاحظا ان سورية اصبحت المقصد الرئيس لشركات الشحن البحري التابعة ب «شبكة اوديسا». الشركات هذه قليلة العدد، تقيم صلات وثيقة مع وكالتي تصدير الاسلحة الروسية «روسوبورن اكسبورت» والاوكرانية «سبيتستكنو اكسبورت» ومع حكومتي البلدين. ويعمل هنا انصار الاتحاد الاوروبي والاتحاد الاوراسي يدا بيد، من دون أي مشاعر. والاتحاد الاوروبي ليس في منأى حيث تجري الخدمات المالية ل «شبكة اوديسا» في لاتفيا (العضو في الاتحاد الأوروبي). * صحافية، عن «لو موند» الفرنسية، 2/10/2013، إعداد حسام عيتاني