قتل أمس أكثر من 34 شخصاً واصيب حوالي 130 بجروح في سلسلة انفجارت بواسطة 6 سيارات مفخخة ضربت مناطق متفرقة في بغداد وضواحيها واعادت الى الاذهان اياماً سود عاشتها العاصمة العراقية ابان سنوات العنف الاعمى خصوصاً في 2006 و 2007 اللتين ارتفع فيهما العنف الى اعلى معدلاته. ولم تخفف الاجراءات الامنية المشددة التي فرضتها الاجهزة الامنية في بغداد امس من وطأة القلق من حدوث اختراق امني كبير، شمل إدخال سيارات مفخخة وترتيب جماعات مسلحة وميليشيات اوراقها مرة اخرى. وفيما حمّلت قوات الامن العراقية المعتقلين الذين أطلق سراحهم مؤخراً من السجون الاميركية مسؤولية تزايد اعمال العنف في الفترة الماضية يرى مراقبون ان تدهور العلاقات بين القوى السياسية في العراق واستهداف عناصر الصحوة وتراخي الاداء الامني ربما كانت من الاسباب المباشرة لموجة العنف التي تضرب العاصمة العراقية. وأعلنت الشرطة العراقية ان 6 سيارات مفخخة انفجرت في أنحاء مختلفة من بغداد امس ما أدى الى مقتل أكثر من 34 وإصابة 130. ففي منطقة ام المعالف الشيعية، المخصصة للمواشي، في غرب بغداد، انفجرت سيارتان مفخختان اسفرتا عن مقتل 12 شخصا واصابة 23 اخرين. وفي الحسينية (شمال بغداد)، قتل 4 اشخاص واصيب عشرون آخرون بجروح بانفجار سيارة مفخخة قرب سوق شعبية. وفي مدينة الصدر (شرق بغداد)، معقل التيار الصدري، قتل 10 أشخاص بينهم امرأتان واصيب 65 اخرون بينهم اطفال ونساء بانفجار سيارة مفخخة في سوق العريبي الشعبية. يذكر ان المسؤولين قرروا قبل فترة رفع الحواجز الاسمنتية من أمام هذا السوق. وفي منطقة العلاوي الشعبية الفقيرة في ناحية الكرخ (غرب دجلة)، قتل 4 اشخاص على الاقل واصيب 15 اخرون بانفجار سيارة مفخخة. ومعظم القتلى من العمال المياومين الذين يصطفون على قارعة الطريق بانتظار عمل ما. وفي بغداد الجديدة (شرق بغداد)، استهدفت سيارة مفخخة موكب معاون مدير الامن الداخلي العميد سعدون لدى مرورها في منطقة النعيرية، ما اسفر عن مقتل احد مرافقيه وشخص آخر واصابة ستة اشخاص بجروح. وشهدت بغداد وبعض المناطق الشهر المنصرم 4 تفجيرات دامية كان آخرها في 26 آذار (مارس) عندما قتل عشرون شخصا واصيب 38 اخرون بجروح، بينهم نساء واطفال، بانفجار سيارة مفخخة في شارع رئيسي في منطقة الشعب، شمال شرقي بغداد. وقتل 27 شخصا على الاقل واصيب نحو خمسين اخرين في 23 الشهر بتفجير انتحاري بحزام ناسف استهدف عزاء في بلدة جلولاء في محافظة ديالى، شمال شرقي بغداد. وفرضت القوات الأمنية العراقية طوقاً أمنياً في منطقة بغداد الجديدة بحثاً عن سيارات مفخخة ذكرت مصادر امنية ان معلومات استخبارية اشارت الى وجودها في المنطقة، فيما نفذت قوات امنية اخرى حملة دهم وتفتيش في شارع الصناعة شملت معظم العمارات السكنية في الشارع. وجاءت سلسلة الهجمات المميتة بعد نحو أسبوع من اعتقال القوات العراقية بعض قادة الصحوة وعناصرها للاشتباه بارتكابهم جرائم خطيرة. ولم يعلق مسؤولو وزارة الداخلية العراقية على ما اذا كانت الهجمات منسقة أو أنها رد فعل على هذه الاعتقالات، فيما تصر الحكومة العراقية على أنها لا تعتقل سوى المطلوبين في جرائم خطيرة. وارجعت قيادات امنية اسباب تصاعد وتيرة العنف الى اطلاق سراح بعض عناصر الجماعات المسلحة في اطار مبادرة العفو التي اعلنتها الحكومة العراقية، فيما اكدت القوات الأميركية انه يتم تقديم لائحة باسم المشمولين بالعفو الى الحكومة العراقية التي تملك الصلاحيات للتحفظ على المعتقلين او الافراج عنهم. وقال علاء الطائي مسؤول الاعلام في وزارة الداخلية إن «المؤشرات التي لدى اجهزة الاستخبارات تلمح الى وجود علاقة بين العمليات الارهابية التي تحدث بين الحين والاخر وبين المعتقلين المفرج عنهم بموجب العفو عنهم». واوضح ل «الحياة» ان «الاجهزة الامنية لديها مؤشرات على ان بعض الاعمال الارهابية التي وقعت اخيرا تزامنت مع اطلاق سراح معتقلين لدى القوات الاميركية». واعتبر ان «الازمة التي حدثت بين بعض مجموعات الصحوة والاجهزة الامنية كانت سببا رئيسيا في تصاعد حدة العنف في بغداد تحديدا». وزاد ان «بعض مجموعات الصحوة مخترقة من جماعات وتنظيمات ارهابية، وبالتالي فإن الازمة التي حصلت كانت دافعا قويا لتلك المجموعات لتنفيذ نشاطاتها الارهابية من خلال بعض عناصر الصحوة». من جهته اكد مصدر مسؤول في عمليات بغداد بجانب الرصافة ان «الاعمال الارهابية التي شهدتها العاصمة نفذتها مجموعات ارهابية كانت رهن الاعتقال الا ان القوات الاميركية افرجت عنها». واوضح المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه ل «الحياة» ان «القوات الاميركية اطلقت سراح بعض العناصر المتورطة بعمليات ارهابية ما زاد من فرص تنفيذ الاعمال الارهابية». لكن مستشار شؤون المعتقلين لدى القوات الاميركية كريم السياب قال في تصريح الى «الحياة» إن «القوات الاميركية تقدم كشفا شهريا يضم اسماء 1500 كاقتراح للافراج عنهم». واوضح ان «الحكومة العراقية تملك الكلمة الاولى والاخيرة في الافراج عن المعتقلين». واستدرك: «نحن في ادارة المعتقلات نفرج عن المعتقلين الذين لا يشكلون خطرا حقيقيا على امن البلاد او من هم اقل خطراً، لا سيما اولئك الذين خضعوا لبرامج التأهيل والتدريب لاعادة دمجهم بالمجتمع». واضاف ان «الحكومة العراقية تدرس قوائم الاسماء التي يطرحها الجانب الاميركي وهي التي تقرر الافراج او التحفظ عنهم بحسب اطلاعها على ملفاتهم». كما يربط مراقبون بين تصاعد الشد السياسي الذي تشهده العملية السياسية في العراق وضعف اجراءات تعزيز المصالحة وتزايد اعمال العنف، ويشيرون الى ان للعنف وجهاً سياسياً واضحاً، وان العجز عن الوصول الى توافق سياسي بات يهدد مجمل الانجازات الامنية التي حصلت خلال عام 2008 في مقابل تذبذب حكومي في التعامل مع ملف البعثيين في العراق ما دفع بالعديد منهم الى تبني العنف مرة اخرى. كما يعترف قادة امنيون بتراخي بعض مفاصل الامن في بغداد خلال الاسابيع الاخيرة ما سمح بدخول سيارات مفخخة وإحياء خلايا نائمة لمجموعات مسلحة.