أمطار على المنطقة الجنوبية تمتد إلى مرتفعات مكة    الأمير سعود بن نهار يرعى إحتفالات أهالي الطائف باليوم الوطني 94    الحمراء والقاتلة تغيب عن Yelo    بيريرا يزيد أوجاع الاتحاد    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي نائبة مدير عام المنظمة الدولية للهجرة    أمير منطقة القصيم يطلق مسيرة اليوم الوطني السعودي    النفط يرتفع بفعل الفائدة والمخاوف الجيوسياسية    مستحقات نهاية الخدمة    الأزواج    شقراء تحتفي بيوم الوطن 94    المواصفات السعودية تطلق حملة "اكشف الرمز" لتوعية السائقين بأسرار لوحة القيادة وحماية مركباتهم    الكونغرس يتوصل لاتفاق تجنب إغلاق حكومي قبل الانتخابات    أرامكو ضمن أكبر 10 شركات عالمية    " الاحنباس" يرفع حرارة الأرض إلى 3 درجات مئوية    إطلاق أول نموذج ذكاء اصطناعي لمعالجة الصور    د. الربيعة ناقش مشاريع مركز الملك سلمان للأمن الغذائي.. إشادة دولية بالجهود الإنسانية السعودية في العالم    يوم للوطن.. وفخر لأُمة    من أجل الوطن    نائب أمير جازان يشهد فعاليات اليوم الوطني ال 94    (يوم الوطن ووصافة العالم)    في دور ال 32 من كأس خادم الحرمين الشريفين.. الهلال في ضيافة البكيرية.. والاتحاد يستقبل العين    نيفيز يغيب عن مواجهة البكيرية    البلوي يتوج الفائزين في سباق اليوم الوطني    اليوم الوطني.. تتويج وبناء    «هلال نجران» يشارك في احتفالات اليوم الوطني ال 94    107 جوائز حققتها السعودية في الأولمبيادات الدولية    الوطن.. ليس له ثمن    الشارع الثقافي يتوهج    معلم بارز ارتبط بالذاكرة الوطنية.. قصر المصمك.. عراقة بناء ومكانة تاريخية    «بالروح يا صنع الرجال»    «إنسانية المملكة».. ندوة ثقافية بالعلا احتفاءً باليوم الوطني    خيركم تحقق أكبر عدد حافظ للقرآن الكريم بتاريخ المملكة    « تزييف عميق» لمشاهير الأطباء يهدد حياة المرضى    وصفات تراثية سعودية.. طريقة عمل الجريش السعودي مع الكشنه    علاج جديد للانزلاق الغضروفي بمخاط الأبقار    ملكٌ على موعدٍ مع التاريخ    اليوم الوطني - وطن استقرار وبناء    أحمد فتيحي يكتب لكم    رسالة إلى الأجداد بحق هذا الوطن العظيم    اليوم الوطني السعودي.. تسبيح التغيير وابتهالات الثوابت..!    السعودية أرض العطاء    فوبيا الشاحنات    تألق وتنوع فعاليات ينبع باليوم الوطني السعودي ال 94    قمة سعودية للبنية التحتية !    نيابةً عن خادم الحرمين.. وزير الخارجية يلقي كلمة المملكة في قمة المستقبل    محافظة الدلم تحتفل باليوم الوطني 94    في يومنا الوطني لنتذكر أن العالم بحاجة إلى السعودية    د. التميمي: القطاع الصحي في المملكة يشهد تحولاً نوعياً    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على بعض مناطق المملكة ابتداءً من اليوم الاثنين حتى الجمعة المقبل    فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشارك في فعاليات اليوم الوطني    الهلال الأحمر السعودي بمنطقة نجران يستعد للاحتفال باليوم الوطني ال 94    اليوم الوطني 94 (نحلم ونحقق)    نحلم ونحقق.. 990 أمان لكم    «فلكية جدة»: دخول «الاعتدال الخريفي 2024».. فلكياً    بخطى متسارعة.. «غير النفطي السعودي» يتجاوز %4.4    فيصل بن بندر يرعى احتفاء «تعليم الرياض» باليوم الوطني ال94    مصادر الأخبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين بعيون ميشال شيحا
نشر في الحياة يوم 24 - 08 - 2013

من بين مئات الكتب عن فلسطين المحتلة، تكتسب كتابات المفكر اللبناني ميشال شيحا أهمية مضاعفة. تأتي هذه الأهمية لأسباب عدة: فهو معاصر للنكبة، وإعلان دولة إسرائيل، وجاءت كتاباته موازية لأحداثها، ممتدة من 1945 - حتى وفاته عام 1954.
مقالات شيحا تشرح سير التفاوض العربي مع الأمم المتحدة، ومواقف بريطانيا والولايات المتحدة حول الأراضي العربية، ومسائل تهجير سكانها وإبادة القرى من قبل العصابات الصهيونية، ثم إحلال مهاجرين صهاينة من أقطار العالم مكانهم. يلخص شيحا الحال بقوله: «الكل يرى بوضوح أن القضية هي مسألة أمر واقع وقوة تمارس العنف ضد مسألة حق». جاء هذا التعليق في سياق مقالة عن لجنة مرسلة من الأمم المتحدة لبحث مسألة فلسطين عام 1947 قبل إصدار قرار التقسيم.
تشرح كتابات شيحا مسائل التفاوض بين الأمم المتحدة والعرب حول تقسيم الأراضي العربية، أو إعطائها للصهاينة، أو أن يعيش الشعب العربي مع اليهودي في دولة واحدة عادلة بحقوق متساوية.
وكان شيحا يؤكد انعدام العدل في خيار تقسيم الأرض أو إعطائها للصهاينة. مرجحاً الخيار الثالث، يقول شيحا: «إن الأمم سترى وتدرك بشكل نهائي، ومن دون شك، أن فلسطين هي واحدة لا تتجزأ». وهي صياغة مقاربة لصياغة شائعة اليوم (دولة واحدة لقوميتين) يعتبر إدوارد سعيد أشهر من تبناها.
في مقاربة تجعل ما يحدث في الأراضي العربية يشبه حادثة الأبارتايد في جنوب أفريقيا ونظام الفصل العنصري بين السود والبيض هناك/ اليهود والعرب هنا تحت الاحتلال الصهيوني. لكن هذا ما لا يراد له أن يحدث. يقول ميشال شيحا عن هذه المعضلة: «على المسيحيين والمسلمين واليهود في فلسطين أن يتمكنوا من العيش سوية كمواطنين في دولة واحدة متمتعين بحقوق حتماً متساوية، مع مزية نظام أحوال شخصية موسعة». اليوم يبدو هذا الحل الوحيد المعقول لهذا الصراع، فخيار الدولتين لن يحقق العدل لا لملايين المهجرين واللاجئين الفلسطينيين، ولا لعرب 48 الممارسة ضدهم عنصرية ممنهجة من دولة لا تريد أن تكون إلا «يهودية». بعد النظر في رؤية ميشال شيحا مذهلٌ، فهو يرى أن المشكلة إن لم تحل في تلك اللحظة، فسيكون التعايش مستحيلاً في المستقبل. يقول شيحا بعد صدور قرار التقسيم: «لم يفت بعد أوان العمل. فبعد بضعة أشهر ستصبح الحياة المشتركة في فلسطين مستحيلة، وإلى الأبد».
إضافة إلى توازي كتابات شيحا مع أحداث النكبة فيمكن استشعار عمق أطروحاته حول القضية الفلسطينية، وبعد النظر الذي امتازت به، من خلال مقارنة كتاباته خلال تلك الحقبة، بواقع الحال اليوم على مسافة عقود من ذلك الزمن.
تبدو كتابات شيحا عميقة وبمثابة تنبؤات حقيقية حول القضية الفلسطينية، إذ يقول، في كلام شديد التبصر: «إن قرار تقسيم فلسطين بإنشاء الدولة اليهودية لمن أضخم الأخطاء في السياسة المعاصرة، فلسوف تستتبعه عواقب غير متوقعة. وليس من باب امتحان العقل إذا قلنا إن هذا الحدث الصغير سيسهم في زعزعة أسس العالم».
كم معضلة أخلاقية تطرح اليوم بسبب إسرائيل؟ وكم من انعدام الثقة بالنظام العالمي (اللانظام العالمي الجديد كما في عنوان أحد كتب الفيلسوف الفرنسي تزفيتان تودوروف) يحدث بسبب ازدواجية معايير منظمة الأمم المتحدة تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي؟ انحياز منظمة الأمم المتحدة من خلال الفاعلين فيها يؤدي بشكل مباشر إلى انعدام الثقة بالمنظمة وسقوطها أخلاقياً. الغريب في هذا السياق أن شيحا كان يأمل بأن تنصف قرارات الأمم المتحدة العرب في النهاية - في ذلك الوقت - لكن هذا ما لم يحدث بعد عقود.
كان ميشال شيحا حريصاً على عدم القطيعة مع الرأي الديني، فهو يناقش فلسطين دينياً أيضاً، ك «أرض الميعاد»، وباعتبارها أرض الديانات الإبراهيمية الثلاثة، وحريصاً على موقف رجال الدين بالعموم، كاستشهاده بحديث رئيس أساقفة إنكلترا عن فلسطين، وتصريحات مفتي فلسطين الأعظم أمين الحسيني عن الفاتيكان.. الخ. عدم القطيعة مع الديني مع الطرح العقلاني السياسي لشيحا، أكسب رؤيته عمقاً وشمولية.
فهو لم يتجاهل أو يغلب جانباً على آخر. فلم يرَ الصراع صراعاً دينياً بحتاً، ولا صراعاً سياسياً خالصاً، ولم يرَ المسألة من وجهة نظر علمانية أيضاً. تساعد كتابات ميشال شيحا في كشف بعض الأساطير حول الصراع العربي - الصهيوني. كاعتقاد البعض أن الحديث عن رغبة إسرائيل في التوسع هو خطاب إسلامي حركي منافق لا أكثر أو خطاب قومي غوغائي، وأن إسرائيل دولة تريد السلام والتعايش مع جيرانها، كما يردد الصهاينة العرب أخيراً. فضلاً عن تكذيب كل وقائع التاريخ والسياسة المعاصرة لهذا الادعاء، نجد ميشال شيحا يملك هذا الحدس العميق والرؤية الثاقبة التي كشفت رغبة الصهاينة في التوسع حتى قبل نشأة الدولة، من خلال رصده سياق توسعهم في الأراضي العربية مقارنة بخطابات قادة الصهاينة قبل ذلك، يقول شيحا: «تعيش إسرائيل الحلم المدهش بإنشاء مملكة تصل إلى حدود الفرات وتجمع ما بين (أور) في أرض كلدان وأورشليم. إن مشاريعها هي مشاريع إنشاء إمبراطورية. إنها في هذا تواجه مخاطر جمة وقد تدفع غالياً ثمن مجازفاتها تلك».
نحن اليوم في أمسَّ الحاجة للعودة إلى هذا الإرث العظيم لميشال شيحا، لنفهم سياقات النكبة، بعيداً عن التزييف. فهو معاصر لتلك الحقبة، وراصد لها، ويملك من العمق والمنطق ما يجعل كتاباته مؤسسة لفهم تلك المرحلة المؤلمة من تاريخ الأمة العربية.
*كاتب سعودي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.