أي عيد هذا الذي يتحدث عنه من يشتري ويشتري ويشتري ثم ينام! أصبح العيد عند بعض الناس مجرد مصاريف.. يذهب إلى السوق، يشتري، يشتري حلويات، يصرف ألف ريال ليوزعها على بناته، يصرف ألف ريال يعطيها لأولاده، يخرج إلى الشرقية أو البحرين أو دبي أو جدة، يملأ بطنه من الوجبات السريعة، يستأجر شاليهاً، وبعد الإرهاق الشديد ينام، ثم يخرج إلى أول يوم من عمله وهو يشعر بالفراغ ويشعر بالإفلاس وتضطرب علاقته بزوجته وأطفاله، لأنهم رجعوا من مصاريف طائلة ويريدون استمرارها ويتحول الأب إلى سائق يدفع المال، وتتحول الأم إلى خادمة لا تتلقى أجراً عن خدمتها. لم يعد العيد فرحة وتهاني واجتماعات أسرية على ما كتب الله ويسره. كان الأطفال حتى الأيتام منهم يشعرون بسعادة العيد أما الآن فلا يمكن ذلك لأنه لا يوجد مال يتم إتلافه وتبذيره فيما يتلفه ويبذره أبناء الآخرين. في السابق كان ابن الجار بيننا يتم إرضاؤه بحلوى وعصير وبعشرة ريالات ويتم إدخاله في شؤون الحي بأي وسيلة من الوسائل الاجتماعية الممكنة. أصبح العيد ينشر الحزن والإفلاس وينشر الملل في بعض الأسر مللاً شديداً لا يستطيع أحد أن يرفعه عن الأسرة، حتى لو رجع الطفل من جدة أو من الشرقية أو من ينبع أو من الجنوب فإنه لن يكون شاعراً بالفرح لأنه يتمنى لو يذهب إلى دبي، والذي يذهب إلى دبي يتمنى لو يكون في لندن والذي في لندن يتمنى لو كان في فرنسا وإيطاليا. الحياة ليست صعبة في حقيقتها لأن أكثر ما يشقينا فيها، خصوصاً في الأعياد والمناسبات، هو الكماليات وليس الحاجات الأصلية. الذي أتمناه هو أن تجرب إحدى الأسر أن تجتمع وتقرر الآتي: ما الذي تخسره هذه الأسرة لو أنها جلست في العيد في البيت وخرجت في رحلة قصيرة إلى حديقة أو إلى أحد أطراف المدينة أو زيارة إلى شيخ كبير أو أسرة أفرادها كبار السن من الأسر شبه المهجورة؟ وماذا لو أننا علمنا أطفالنا الصدقة وعلمناهم الجلوس في العصاري لتلاوة آية من القرآن بدلاً من هذا التجوال الذي يفقر الجيب ويأتي بالملل ويقتل القناعة. إذاً فموضوع هذه المقالة التي أبعث بها إليكم أعزائي في «الحياة» وأتمنى أن يتم نشرها، واللب فيها هو أننا لم نعد في الأعياد والمناسبات المفرحة بحاجة إلى الفرح بقدر ما نحن بحاجة إلى القناعة، القناعة بالشيء الذي يمكن أن يمكننا من سعادتنا، فليست السعادة بقدر الأموال التي نهدرها والشخصيات التي نتقمصها ولا بقدر المسافات التي نقطعها ولا المطاعم التي نأكل فيها ولا الفنادق، السعادة لا يمكن أن تأتي إلى الإنسان إلا مع شيء من الرضا، ومع غياب الرضا لا يمكن للفرح ولا السعادة أبداً، وعندئذ أي طعم يمكن أن يأتينا للفرح. [email protected]