حسمت البيانات الاقتصادية التي نشرها المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن في ألمانيا، أواسط الشهر الماضي، وما تبعها من مؤشرات اقتصادية داخلية إيجابية، الخلاف بين خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال حول ما إذا كانت تداعيات أزمة المال والاقتصاد الدولية على ألمانيا، ستستمر أو بلغت قعرها النهائي وبدأت مرحلة صعود وانتعاش. وأظهرت البيانات التي نشرها المكتب وفاجأت غالبية الخبراء والمراقبين بمن فيهم المتفائلين، أن الاقتصاد الألماني حقق في الربع الثاني من السنة الحالية نمواً إيجابياً بلغ 0،3 في المئة للمرة الأولى منذ سنة كاملة، في حين أن الغالبية كانت تتوقع نمواً سلبياً حوالى 0،2 في المئة كتقدير أدنى. وصحَّح المكتب الإحصائي معدل النمو السلبي المعلن للربع الأول من السنة من 3،9 إلى 3،5 في المئة، ما يؤكد سير التحولات الإيجابية في اقتصاد البلاد. ولم يقتصر التحسن الاقتصادي في الربع الثاني على ألمانيا فقط، بل واكبه تحسن مماثل أو أفضل في كل من فرنسا واليابان والولايات المتحدة، ما يؤشر إلى ظاهرة عامة مؤهلة للاتساع. وهذا ما دعمه تقرير صندوق النقد الدولي الأخير الذي أعرب عن اعتقاده «بانتهاء الركود الاقتصادي العالمي وبدء مرحلة انتعاش لن تكون سهلة»، مشيراً إلى أن الأزمة العالمية «خلَّفت ندوباً عميقة ستؤثر سلباً على العرض والطلب لسنوات عديدة». وفيما كان خبراء يتوقعون أن يسجل اقتصاد ألمانيا نمواً سلبياً من 6 في المئة هذه السنة ونمواً إيجابياً بين 0،2 و0،5 في المئة في 2010 باتوا يتوقعون أن يبلغ معدل الركود نهاية السنة 5 في المئة مع معدل نمو إيجابي جداً في الربعين الثالث والرابع، ومعدل نمو 2 في المئة السنة المقبلة. وأكدت نتائج مؤشر مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية في مانهايم «زد إي في»، التي نشرت بعد بيانات مكتب الإحصاء، اتجاه التحسن الاقتصادي في البلاد. وارتفع المؤشر هذا الشهر 16،6 نقطة إلى 56،1 بعد تراجعه الشهر الماضي إلى 39،5 نقطة، ما يعكس عودة ثقة المستثمرين والاقتصاديين في الاقتصاد الألماني. وذكر المركز الذي يستطلع شهرياً آراء نحو 300 محلل اقتصادي ومالي، أن توقعات التحسن في منطقة اليورو ارتفعت بدورها 15،4 نقطة لتصل إلى 54،9. وذكرت النشرة الاقتصادية لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) أن النقاش بين الخبراء والاقتصاديين الألمان انتقل حالياً إلى مرحلة أعلى، تتمثل في تحديد حجم التفاؤل حالياً، وما إذا كانت براعم التحسن الاقتصادي الظاهرة أخيراً تمثِّل إشارة إلى انتهاء أزمة الركود الثقيلة التي رزحت ألمانيا تحتها كتوطئة لمرحلة انتعاش مستدام فيها، أم أنها مجرد صدفة لن تتكرر على اعتبار أن الأزمة العالمية لا تزال عميقة الجذور ولم تقذف بعد بكامل حممها العاتية. ويرى فولكرت تراير كبير خبراء اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية أن الاقتصاد الألماني «حقق بصورة مفرحة تحولاً في مساره بصورة أسرع مما كان المرء يعتقده». وعزا الفضل في ارتفاع الناتج الداخلي الألماني في الربع الثاني إلى الشركات الألمانية التي لجأت إلى تطبيق الدوام الجزئي للحفاظ، قدر الإمكان، على عمّالها، على رغم تراجع الطلبات عليها، ما عزز ثقة المواطنين بالاقتصاد وشجعهم على مزيد من الاستهلاك. ويرى خبراء واقتصاديون أن الاستهلاك الخاص ساعد إلى جانب الاستهلاك الحكومي، على تحسين معدل النمو بصورة حاسمة، وأن الزيادة التي حصلت في حجم الاستثمارات في البنية التحتية كانت نتيجةً لتحسن الطقس خلال الخريف والشتاء، وليس بفضل برنامجي الدعم الحكوميين اللذين بدأت الحكومة تنفيذهما للتو، على أن تظهر نتائجهما الإيجابية على الاقتصاد في الربعين المقبلين. وهذا ما دفع رئيس معهد البحوث الاقتصادية «دي إي في» في برلين كلاوس تسيمّرمن إلى مناقضة وزير الاقتصاد كارل تيودور تسو غوتنبيرغ، إذ شدد على أن الاقتصاد حقق تحسناً من دون دعم حكومي، وأنه «قادر على الخروج من أزمته من دون هذا الدعم». لكنه اعترف بأن البرنامجين الحكوميين «أشاعا تفاؤلاً أكبر لدى رجال الأعمال والمستهلكين». وحذَّر كبير خبراء مصرف «دويتشه بنك» فالتر نوربرت من الاعتقاد بأن الأزمة الاقتصادية بلغت نهاياتها، وأشار إلى أن المرء يخرج من الهاوية بخطى صغيرة جداً، وأن «الانتعاش الصغير» كما سمّاه « انتعاش مستعار ومعزَّز ببرنامجي الدعم الحكوميين مثل علاوة السيارات الجديدة التي لا بد أن ينتهي مفعولها». أضاف، من المبكر التحدث عن انتعاش. ودعا رئيس مجلس الحكماء الاقتصاديين التابع للحكومة فولفغانغ فرانتس إلى التروي في إظهار الابتهاج قائلاً إن ألمانيا لم تتجاوز بعد ركودها الاقتصادي ولفت إلى أن التحسن «لن يتحقق في قفزات كبيرة لأن لا إشارات بعد عن تحسن الاقتصاد العالمي». وقال رئيس معهد بحوث الاقتصاد الدولي في كيل «إي إف في» دينيس سنوفر، صحيح أن الانحدار الشديد للاقتصاد الألماني توقف، لكن الأزمة الاقتصادية العالمية لا تزال مستمرة. وأن اقتصاد ألمانيا «لن يتمكن من العودة في سرعة إلى قوته السابقة وإلى معدلات نموه الماضية».