«التعليم في المملكة نموذج مميز وركيزة رئيسة للاستثمار والتنمية، والأجيال القادمة هم الثروة الحقيقية والاهتمام بهم أساسي»... هذا ما يقوله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في التعليم، الذي يفاجئنا دائماً بقراراته الإستراتيجية في جميع المجالات التي يحتاج لها المواطن، حيث صدرت أوامره الكريمة في 3 رمضان بإنشاء أربع جامعات في كل من الدمام والخرج والمجمعة وشقراء، ليضيف أربعة عقود إلى عقد التعليم العالي، الذي بدأ بنظمه منذ توليه مقاليد الحكم، ليجعل منه الأولوية الأولى له، وذلك لمعرفته وبعد نظره بأهمية التعليم في نهضة الأمم وتقدمها. لقد أدرك خادم الحرمين الشريفين أهمية التعليم ومدى فعاليته في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية، فسخر كل الإمكانات اللازمة لتطويره وتعزيز مكانته بالأشكال والنواحي كافة، وتخصيص الإمكانات المادية والبشرية والتقنية كافة، بدءًا بمشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، ومروراً بمشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام (تطوير)، وانتهاءً بقرار إنشاء الجامعات الأربع الأخيرة، ويختمها هذا العام بافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في 23 (أيلول) سبتمبر الجاري وبحضور عدد من قادة العالم. إن قرارات خادم الحرمين الشريفين تعتبر هيكلة جديدة للتعليم العالي، إذ بدأت بعض الجامعات، كجامعة الملك سعود، تتأثر من زيادة عدد الكليات التي تتبع لها خارج مقرها الرئيس، التي وصل عددها أكثر من 50 كلية موزعة على مدن ومحافظات منطقة الرياض، مما أثر على خططها المستقبلية من ناحية الجودة والكفاءة في التعليم والبحث وخدمة المجتمع، وهي الوظائف الثلاث الرئيسة للجامعات، وإعاقتها عن تحقيق ما تخطط له من تطور في الجودة التعليمية، لذلك جاء قرار إنشاء الجامعات ليحررها من الكليات التابعة لها خارج مدينة الرياض، لتؤدي رسالتها وتحافظ على زخم انطلاقتها للعالمية، وكذلك ليعطي لهذه الجامعات الناشئة الفرصة في التطور وبلورة الرؤى التعليمية التي تلائمها خلال مرحلة الإنشاء، والابتعاد عن ظل الجامعات التي كانت تنتمي لها، وخلق بيئة تعليمية جديدة تتناسب مع مراحل إنشائها وتطورها والاستفادة من تجارب التعليم العالي العالمية. لقد كان نشر مراكز التعليم العالي العالمي في المملكة العربية السعودية، وضمن المعايير العالمية ومتطلبات السوق، من أولويات خادم الحرمين الشريفين، حيث تم الإعلان للمرة الأولى عن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في «ثول» بمحافظة جدة، خلال زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى مدينة الطائف في23 (تموز) يوليو 2006م، وذلك خلال كلمة وجهها لأهالي المدينة تضمنت إعلانًا عن بدء مشروع رائد من مشاريع المستقبل هو جامعة للعلوم والتقنية، ووضع حجر الأساس لها في 21 (تشرين الاول) أكتوبر 2007م، وأعلن في كلمته عن إقامة وقف يكون ريعه للإنفاق على الجامعة، التي تستقبل طلاب الدراسات العليا فقط، وتهتم كذلك بالأبحاث والاختراعات وتطوير التقنية لتكون شعلة إنارة للعلم ليس على المستويين المحلي والإقليمي فقط، بل على المستوى العالمي. أما بالنسبة لآثار قرار إنشاء الجامعات الأربع المستقبلي على تضخم حجم المدن الرئيسة كالرياضوالدمام، فسوف يكون إيجابياً، حيث سيحد من التدفق على هذه المدن، خصوصاً الرياض، التي تضخمت وازدحمت وأصبح الضغط على البنية التحتية للخدمات فيها، موضع قلق للجميع، وكذلك مساعدة المحافظات التي أنشئت فيها هذه الجامعات كالمجمعة وشقراء والخرج على أن تكون مناطق جذب للعمل والإقامة بسبب وجود الجامعات الجديدة فيها، ويعزز نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية، لتسهم مساهمة بناءة في خطط التنمية المستدامة. لقد حقق التعليم العالي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قفزات هائلة في الكم والكيف، فمن حيث الكم أصبح عدد الجامعات الحكومية 24 جامعة، إضافة إلى ثماني جامعات أهلية، جميعها تضم، إن لم تكن جميع الكليات، فعلى الأقل أغلبها ممن يحتاج لها الوطن. أما من حيث الكيف فالجميع يشاهد ويرى ما حققته جامعة الوطن - جامعة الملك سعود - من تقييمات عالمية أوصلتها إلى أرفع المراكز بين الجامعات المرموقة في العالم، لتصبح معلماً من معالم الوطن الرئيسة في التعليم والبحث والتنمية. يقول إنشتاين «أثمن ما في العالم هو الحدس أو الفكرة اللامعة» وهو ما تبين في خطة خادم الحرمين الشريفين اللامعة في النهوض بالتعليم العالي التي اعتمدت على ثلاثة محاور هي: التوسع في تطوير الجامعات القائمة من حيث الكم والكيف، وإنشاء جامعات جديدة في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها الكبيرة، والبدء ببرامج الابتعاث بشقيه الداخلي والخارجي، حيث تبين حدسه الصادق بأهمية التعليم وأفكاره اللامعة في اختصار المسافات والزمن للحاق بركب الأمم المتقدمة في التعليم الذي هو أساس التقدم، والتي يمثل الإنسان محور التنمية المستدامة فيها. لقد حقق وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري المستحيل بتنفيذ رؤى وخطط خادم الحرمين الشريفين في التعليم العالي، وجعله يصل إلى كل منطقة ومحافظة، ويصبح ميسراً لكل مواطن وعلى المستويات كافة، فأصبح الجميع متساوين في الحصول على فرص التعليم العالي، سواء في الجامعات التي انتشرت في كل بقاع المملكة، أو من خلال الابتعاث الذي أتاح الفرصة للجميع للدراسة في التخصصات التي لا تفي الجامعات السعودية في تقديمها. إن معجزة التعليم العالي التي رسم خططها ومعالمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ونفذتها وزارة التعليم العالي بكل اقتدار، وبإشراف مباشر من وزيرها د. خالد بن محمد العنقري وزملائه في الوزارة، هي مفخرة لكل مواطن سعودي، لا ينكر حقيقتها وفائدتها وأثرها على الوطن إلا الجاحد. يقول سقراط «إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح ولا بطيب ولا ذي فائدة أو قيمة، لماذا تخبرني به من الأصل؟»، فنحن ما يخبرنا به خادم الحرمين الشريفين هو عكس هذه المقولة، حيث الصدق والطيب والفائدة والقيمة في كل خبر يحمل بصمته وتوقيعه. كما أننا نؤمن بقول الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، يرحمه الله، عن التعليم، إذ يقول: «التقدم لا يكون إلا بالعلم والعمل». * أكاديمي سعودي.