دفعت الأزمة السياسية الجارية في مصر بأزمة الانقسام الفلسطيني بين حركتي «فتح» التي تدير الضفة الغربية، و»حماس» التي تدير قطاع غزة، الى طور جديد أشد وأعمق. فحركة «فتح» التي رأت في تولي رئيس «إخواني» الحكم في مصر تعزيزاً لحكم «حماس» (فرع الإخوان المسلمين في فلسطين)، لم تخف سعادتها لإطاحته. في حين ان «حماس» التي ترى في التغيير في مصر تغييراً لموازين القوى الداخلية في فلسطين، لم تخف غضبها الشديد من هذا التغيير. وشهدت العلاقة بين الحركتين الفلسطينتين المتصارعتين على السلطة توتراً متصاعداً منذ نشوء الأزمة المصرية الجديدة، وتحفل وسائل إعلام الحركتين يومياً ببيانات تتهم الواحدة فيهما الأخرى باستهداف عناصرها، ولعب دور في الأزمة المصرية. ويقول مسؤولون في «حماس» إن «فتح» دخلت على خط الأزمة المصرية، وأخذت تزود السلطات المصرية معلومات «غير صحيحة» عن دور «حماس» في شبه صحراء سيناء وفي الأزمة المصرية. في المقابل، يقول مسؤولون في «فتح» ان «حماس» بادرت الى افتعال الأزمة الجديدة معها «تحسباً لأي حراك» في غزة مماثل للحراك المصري الذي اطاح حكم «الإخوان» ول «تأليب الرأي العام» في غزة ضد «فتح». وطلب مسؤولون في «حماس» في غزة من السلطة في رام الله التوقف عن تزويد السلطات المصرية معلومات «مغلوطة» عن دور «حماس» في الأزمة المصرية، معتبرين ذلك اسهاماً من «فتح» في «الحصار» الجاري على قطاع غزة. وقال مسؤول في «حماس» ل «الحياة» ان حركته أجرت اتصالات رسمية مع مكتب الرئيس محمود عباس في رام الله لهذا الغرض. وأضاف: «المعلومات التي تقدمها فتح الى السلطات المصرية تغذي الحصار الذي فرضته هذه السلطات على غزة منذ اقالة الرئيس محمد مرسي». وفرضت السلطات المصرية قيوداً شديدة على قطاع غزة منذ اقالة مرسي، تضمنت اغلاق معبر رفح الحدودي بين البلدين، باستثناء حالات قليلة مثل المرضى وأصحاب جوازات السفر الأجنبية، كما دمرت غالبية الأنفاق التي تشكل شريان الحياة الرئيس الذي ينقل بعض السلع الحيوية الممنوعة من اسرائيل، مثل مواد البناء الى القطاع. وأدى تدمير الأنفاق الى نقص شديد في بعض السلع الحيوية، مثل الوقود ومواد البناء وغيرها، علماً ان اهالي غزة يتلقون الوقود المصري المهرب عبر الأنفاق بنصف سعر الوقود القادم من اسرائيل. وتتبادل «فتح» و»حماس» الاتهامات بالقيام بإجراءات قمعية الواحدة ضد انصار الأخرى. وحذرت «حماس» ناشطي «فتح» في غزة مما أسمته «مخطط إعادة إنتاج الفوضى» في قطاع غزة، مشيرة الى تحركات بينهم تهدف الى القيام باحتجاجات على حكم «حماس». وقالت ان «هذا المخطط» يشمل العمل على «استئصال حماس في الضفة». وردت «فتح» قائلة ان «حماس» «تفتعل» هذه الأزمة لتبرير اجراءاتها «الوقائية» في غزة تحسباً لأي حراك جماهيري، وتعمل على «تأليب الرأي العام» ضد «فتح» عبر اتهامها بلعب دور في الحصار. وقال الناطق باسم «حماس» سامي أبو زهري في بيان باسم الحركة قبل أيام: «إن فتح تستهدف من خلال هذه الأكاذيب التغطية على جرائمها ضد كوادر حماس في الضفة، وأيضاً تبرير الحملة التي تنظمها ضد الحكومة المقالة في غزة تحت عنوان: ثورة تمرد لإنهاء حكم الحكومة في غزة، تمرد على الظلم في غزة، تمرد على الظلم والاستبداد في غزة، تمرد يا شعب غزة، لمحاولة إعادة انتاج الفوضى في غزة». وأضاف: «إن هناك تصاعداً في الاعتقالات التي تمارسها الأجهزة الأمنية في الضفة بحق كوادر حماس وناشطيها اذ تم استدعاء واعتقال 11 من ناشطي الحركة في الضفة، بينهم طلاب جامعات وأسرى محررون بعضهم أفرج عنه قبل أيام فقط». واعتبر ان «هذه الاعتقالات المستمرة والمتصاعدة تمثل محاولة من فتح لاستئصال حماس في الضفة، وتجسيداً للتنسيق الأمني مع اسرائيل». واستخدم بيان «حماس» عبارات حادة، منها وصف ممارسات «فتح» ب «الجرائم» التي قال انها «لن تفلح في تحقيق أهدافها»، محملاً الحركة «المسؤولية عن ارتكاب هذه الجرائم وما يترتب عليها». وردت «فتح» على بيان «حماس» ببيان شديد اللهجة قالت فيه انها «ترفض ما جاء من اتهامات وادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتدين لغة التحذير التي تحدث فيها والمفردات التي استخدمها والتي لا تليق بالمخاطبة السياسية مع حركة وطنية عريقة لطالما أخذت على عاتقها، ولا زالت، صيانة النظام العام والاستقرار في الجبهة الداخلية، وحماية المصالح والمقدرات الوطنية العليا لعموم أبناء الشعب الفلسطيني». وقالت «فتح»: «لا صحة لادعاءات حماس بأن هناك حملة تُنظم ضدها في غزة تحت عنوان: ثورة تمرد، وتعتبر هذه التصريحات غير المبررة مدعاةً لإعادة توتير الساحة الوطنية، خصوصاً في قطاع غزة وإعادة إنتاج الأزمة، في الوقت الذي تُبذل فيه الجهود ولا زالت من أجل إنهاء الانقسام وطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ شعبنا واستعادة الوحدة الوطنية وجلب السلام الداخلي والسلم الأهلي لوضع الواقع الفلسطيني على أعتاب مرحلة جديدة من الوفاق الوطني والعمل المشترك وتحقيق المصالحة الوطنية والأهلية». وأغلقت «حماس» في غزة مكتبي قناة «العربية» ووكالة «معا» الإخبارية أول من أمس على خلفية الأزمة المتفجرة مع كل من «فتح» والسلطات المصرية. واتهمت الحكومة المقالة التي تديرها «حماس» في القطاع المؤسستين ب «الترويج لأخبار كاذبة تحرّض على الفلسطينيين». وأعلنت النيابة العامة في غزة أن «القرار يأتي بعد نشر الوسيلتين لأخبار وإشاعات وتلفيق وفبركة أخبار وبث معلومات ليس لها رصيد على أرض الواقع هددت السلم الأهلي، وأضرت بالشعب الفلسطيني ومقاومته». ومن هذه الأخبار نشر وكالة «معا» خبراً نقلته عن مصادر اسرائيلية عن «تسلل» قيادات من «الإخوان المسلمين» في مصر إلى قطاع غزة. كما نشرت «معا» خبراً آخر عن تسلل عناصر مسلحة من سيناء إلى غزة. وفتح رحيل مرسي شهية بعض قادة «فتح» للتفكير بعمل سيناريو مماثل في غزة من اجل اسقاط حكم «حماس» بالطريقة ذاتها، على اعتبار أن رحيل مرسي سيجعل حماس «وحيدة، معزولة ومحاصرة». وتعتبر مصر المتنفس الوحيد ل «حماس» في قطاع غزة في ظل اغلاق اسرائيل الطريق بين القطاع والجزء الآخر من الوطن. وتعرضت «حماس» في عهد الرئيس حسني مبارك الى قيود شديدة، منها منع جميع قادتها وكوادرها من السفر في بعض المراحل للضغط عليها، وإغلاق الأنفاق في بعض المراحل، ما ادى الى نقص شديد في السلع الرئيسة المختفية من غزة بسبب القيود الإسرائيلية، مثل الإسمنت ومواد البناء. وحظي حكم «حماس» لقطاع غزة في عهد مرسي باستقرار كبير، اذ تدفقت السلع، بما فيها المدعومة حكومياً مثل البترول والطحين، الى القطاع. وأدى ذلك الى تمتع غزة بسلع ذات أسعار منخفضة عن تلك التي في الضفة التي تستورد السلع من اسرائيل بأسعار مرتفعة. فسعر سلعة مثل الوقود، على سبيل المثال، يقل بنسبة الثلثين عما هو عليه في الضفة. وشرعت السلطات المصرية في تدمير الأنفاق بين قطاع غزة قبل شهر من اطاحة مرسي «خشية تنقل جماعات جهادية بين غزةوسيناء». وفي حال تواصل اغلاق الأنفاق، فإن «حماس» ستضطر الى استيراد هذه السلع من اسرائيل بأسعار عالية، ما يؤدي الى خلق تذمر واسع بين سكان القطاع الفقير، كما يؤدي الى وضع الحركة نفسها مرة أخرى تحت رحمة اسرائيل التي ترفض ادخال مواد البناء، خصوصاً الإسمنت والحديد، الى القطاع خشية استخدامها في صناعة الصواريخ. ويقول قادة «حماس» في غزة ان الحصار الذي تفرضه السلطات المصرية على غزة اشد من الحصار الذي فرضته في عهد الرئيس السابق حسني مبارك على القطاع، متهمة السلطة المصرية بشن حرب عليها لتبرير ما سمته «حربها على الإخوان المسلمين» في مصر.