لم تنس هيلين توماس التي رحلت أمس عن عمر يناهز ال92 عاماً، على رغم اعتلائها هرم الصحافة الأميركية وتحولها إلى مدرسة فيها، بمواجهتها عشرة رؤساء أميركيين وجهاً لوجه في البيت الأبيض، يوماً أصولها العربية. ورفعت على مدى خمسة عقود صوتاً جريئاً تحدى السياسات الأميركية من فيتنام إلى العراق إلى القضية الفلسطينية، وكسرت بشجاعة وحضور مشاكس، جداراً سياسياً وذكورياً في العاصمة الأميركية، أعطاها لقب «عميدة الصحافيين». هيلين توماس، ابنة جورج وماري انطونيوس اللذين هربا من طاغوت الحكم العثماني في طرابلس (شمال لبنان) مطلع القرن الماضي ليستقرا في ولاية كنتاكي، رحلت بهدوء في شقتها في واشنطن أمس بعد خمسة عقود صاخبة لها في قاعة الصحافيين في البيت الأبيض مراسلةً لوكالة «يو. بي. آي»، ومن ثم كاتبة عمود لمجلة «هيرست». أحرجت هيلين التي كانت تعرف عن نفسها كأميركية وعربية من طرابلس، بأسئلتها الرئيس السابق جورج دبليو بوش حول حرب العراق، وقبله ريتشارد نيكسون حول فيتنام، وبيل كلينتون ورونالد ريغان حول اسرائيل. ابتعدت كل البعد عن «المجاملة الصحافية» وفن العلاقات العامة في قلمها وتعبيرها. وتحولت الصوت الصارخ خلال المؤتمرات الصحافية، ينتظرها الأميركيون في المقعد الأول، لتكون «المشاكسة الأولى» ولتنهي كل مؤتمر رئاسي بسؤال لاذع وعبارة: «شكرا السيد الرئيس». بوش قاطعها ثلاث سنوات بعدما وصفته ب «أسوأ رئيس للولايات المتحدة». وعن أوباما قالت أنه «صاحب ضمير لكنه لا يمتلك الشجاعة». أحبت كينيدي، صاحب الكاريزما والمواقف الجريئة، التي اختصرت رئاسته عملية الاغتيال في 1963. أما بيل كلينتون، فكان يلاقيها بقطعة حلوى في عيد ميلادها كل 4 آب (أغسطس) رغم انتقاداتها له وزوجته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. أسئلة توماس كانت قصيرة وصريحة، فهي سألت نيكسون مرة «ما هي خطتك السرية لإنهاء حرب فيتنام؟»، وبوش «ماذا تفعل أميركا في العراق؟». وهي نجحت في اختراق جدار ذكوري في الصحافة الأميركية في ستينات القرن الماضي، وكانت أول أميركية من اصل عربي تحصل على مقعد في غرفة الصحافيين في البيت الأبيض. توماس المتواضعة في رحلتها، أغضبت اللوبي اليهودي - الأميركي قبل تقاعدها العام2010 بتصريح مثير للجدل طالبت فيه ب «خروجهم (اليهود) من فلسطين»، وعادت واعتذرت عن ذلك، مؤكدة أنها تطمح لشرق أوسط يسود فيه التعايش والتسامح. وهي ترحل اليوم تاركة فراغاً كبيراً في الإعلام الأميركي بأسلوبها وصوتها الذي هز عاصمة القرار.