لا صوت يشبه صوت عمر أحمد شامي الصحبي عندما يرفع الأذان من مسجد حارة القهر في مركز حلي جنوب محافظة القنفذة، وقد أوتي مزماراً داودياً جعله وقفاً لرفع صوت الحق، إذ لا يشق سكون تلك القرية الوادعة إلا شقشقات ذلك الأذان المسجدي العتيق، رَوح من إيمان يلف المكان، بينما يغرق الصحبي في الضغط على أوتاره الحلقية لتجود بأبرع ما تملك من الإمكانات، ويرسلها إلى الفضاء ويحيي بها الأذواق. بقدمين معطلتين عن العمل يقود سيارته التي أعيد تصنيعها لملائمة ظروفه الخاصة، يصل إلى المسجد ويستقل عربته المركونة في زاوية المسجد، ثم يقوم بتجهيز المسجد وفتح جهاز الإذاعة، وينغمس في أداء الأذان على سجيّته المبدعة، منذ ما يقرب 15 عاماً وهو يرفع الأذان من ذلك المسجد، حتى انطبع صوته في أذهان الناشئة، وشاب مع كبار القرية وهو لا يكاد يفارقهم. أصيب عمر الصحبي بشلل الأطفال بعد سنتين من ولادته سليماً، ونظراً لقلة الإمكانات الطبية وقتها وضعف الوعي كاد يفقد جميع أطرافه، ولكنه عرض على العديد من الأطباء الشعبيين، وتم كيّه في منطقة الظهر عدة كيّات وبعد أسبوع بدأت تتحرك أطرافه الأربع ورقبته، إلى أن استطاع التحكم في يديه وفخذيه، ولكن ما تحت الركبة ظل على حاله دون حركة. لم يعقه ذلك عن الدراسة، فأكمل حتى كاد ينهي المرحلة الثانوية لولا ضعف تأهيل المباني المدرسية عن استقبال مثل حاله وقتئذ، وتمكن بإصراره وعزمه أن من قيادة السيارة بعد تركيب جهاز يمكّنه من التحكم بها، واستطاع اجتياز دورة في الآلة الكاتبة بتقدير امتياز بعد قبوله بنظام الانتساب في مدينة جدة، ثم حصل على وظيفة إدارية في إمارة مركز حلي تتويجاً لإصراره وسعيه الحثيث. لم يتوقف طموحه في عيش حياة طبيعية وكريمة عند ذلك الحد، فتقدم لخطبة إحدى النساء لتقبل به عن قناعة ويعيش وإياها حياة سعيدة ويرزق منها بمحمد وزهراء، هو رجل مبادر لا يتوقف عن مشاركة المجتمع في أفراحه وأتراحه ليحصل على «وسام المتبرع المثالي» الذي منحه إياه بنك الدم بمستشفى القنفذة العام أثناء حملته للتبرع بالدم في وادي حلي. غادر المؤذن عمر الصحبي مسجده الصغير بعد تضاعف المتاعب عليه، وأهالي الحي يشعرون بالأسى والحزن بعد غياب صوته عن الانطلاق في الفضاء والأرجاء، وانتقل ليرفع الأذان بشكل متقطع من الجامع الكبير خلال صلوات الجمعة وليالي رمضان، إذ لا يزال الحنين يجذبه بقوة إلى مزاولة هذه المهمة الشريفة التي استهلكت من عمره الكثير.