يتابع الفلسطينيون في قطاع غزة بخوف وقلق ظاهريْن التطورات السياسية والأمنية في مصر، خصوصاً في شبه جزيرة سيناء حيث تقع مواجهات مسلحة واعتداءات على بُعد عشرات الكيلومترات من الحدود مع القطاع. وزاد من قلق الفلسطينيين تهديدات أطلقها وزراء ومسؤولون إسرائيليون بشن حرب جديدة على القطاع قلل من أهميتها الناطق باسم الحكومة التي تقودها «حماس» في القطاع إيهاب الغصين. وقال الغصين ل «الحياة» إن «التهديدات لم تتوقف طوال الفترة الماضية»، مضيفاً: «لا نأبه لهذه التهديدات، لأن المقاومة دائماً مستعدة، والحكومة تقوم بدورها في حماية ظهر المقاومة». وشدد على أن القضية الفلسطينية «ستبقى دائماً في قلب كل عربي ومسلم، وسيبقى الشعب المصري عمقنا الاستراتيجي». وانشغلت غالبية سكان القطاع بمتابعة وسائل الإعلام المصرية لحظة بلحظة للحصول ولو على إشارة واحدة تطمئنهم إلى أن الأوضاع في القطاع لن تتأثر بالصراع الدائر في مصر، وأنه لن تكون هناك إجراءات استثنائية أو انتقامية ضدهم. وانقسم «الغزيون» إلى قسمين إزاء ما حدث في مصر، تماماً كما حدث في 14 حزيران (يونيو) عام 2007 عندما سيطرت حركة «حماس» على القطاع بالقوة وفرَّ الآلاف من أنصار الرئيس محمود عباس وحركة «فتح» إبان الاقتتال الداخلي. ووصف أنصار «حماس» ما جرى في مصر بأنه «انقلاب عسكري»، فيما عبّر معارضو الحركة عن ارتياحهم لإزاحة نظام جماعة «الإخوان المسلمين» والرئيس محمد مرسي من سدة الحكم والرئاسة في مصر، فيما غلّب آخرون لغة العقل والسلامة، فحضوا الفلسطينيين على عدم التعليق أو الخوض في الشأن المصري حتى لا تنعكس الأمور سلباً على الفلسطينيين. وجذبت الحملة التي أسسها شبان مصريون معارضون لمرسي وجماعة «الإخوان» وأطلقوا عليها اسم «تمرد»، اهتمام شبان فلسطينيين، فأسسوا «تمرد فلسطين» لإطاحة حكم «حماس»، في وقت دعا ناشطون الفلسطينيين إلى عدم استفزاز الحركة، ووصفوها بأنها «أسد جريح» يشعر بالاستفزاز والقهر والظلم في الوقت الراهن نتيجة سقوط التنظيم الأم في مصر. وتحولت صفحات شبكات التواصل الاجتماعي إلى معارك بين مؤيدي «الإخوان» ومرسي ومعارضيهم في القطاع. وكتبت الصحافية في المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحكومة «حماس» في غزة عروبة عثمان على حسابها على «فايسبوك»، أنه «لا يحق لأحد منع الغزيين الفرحين بسقوط نظام الإخوان من التعبير عن شعورهم بعفوية تامة من دون أي تكلف». وأضافت عثمان، التي لا تنتمي الى «حماس» وتعارضها وتعارض مرسي: «كما احتفلت حماس بصعود الإخوان إلى سدة الحكم المصري ووزعت الحلوى قبل عام من الآن، عليها ألا تقف في وجه من يرى أن في سقوط الإخوان انتصاراً للقضية الفلسطينية». في المقابل، كتب أستاذ الإعلام في جامعة الأمة في غزة الدكتور عدنان أبو عامر على حسابه على «فايسبوك»، أن «مصر تستحق من أبنائها أفضل من ذلك، ولا أحد يُستثنى مما حصل، لكن علاج خطأ سوء الإدارة بخطيئة الانقلاب جريمة لا تُغتفر سيندم عليها كل من شارك فيها». في هذه الأثناء، واصلت السلطات المصرية أمس إغلاق معبر رفح، المنفذ الوحيد لفلسطينيي القطاع على العالم، لليوم الثاني على التوالي. ولم يتمكن آلاف الفلسطينيين من مغادرة القطاع، فيما علق مئات آخرون في مصر ودول أخرى، ولا يزال عشرات «الغزيين» الممنوعين من دخول مصر، محتجزين في غرف الترحيل في مطار القاهرة يعانون من حرمانهم من أبسط حقوقهم. كما اشتدت أزمة الوقود في القطاع بسبب إغلاق أنفاق التهريب منذ نحو أسبوعين. وأعلنت وزارة الصحة في حكومة «حماس» أمس أن «سيارات إسعاف ونقل صحي توقفت عن العمل بسبب أزمة الوقود التي يمر بها قطاع غزة حالياً، ما يُنذر بكارثة حقيقية وشيكة». وقال الناطق باسم الوزارة أشرف القدرة في تصريح إن «24 سيارة إسعاف وطوارئ و29 سيارة نقل صحي توقفت (عن العمل) بسبب أزمة الوقود التي تمر بها غزة، ما يُنذر بكارثة صحية وشيكة تصيب جميع الخدمات الصحية وتضعها في منعطف خطير». وطالب «بالتدخل الفوري لإنقاذ القطاع الصحي من خلال توفير السولار والبنزين للاستمرار في تقديم خدماته لمليون وسبعمئة ألف مواطن يعيشون في قطاع غزة، يتجرعون مرارة الحصار الإسرائيلي غير القانوني وسط صمت دولي غير مبرر». إلى ذلك، استنكر صحافيون وإعلاميون التهديد بالقتل الذي تلقاه مدير مكتب وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» في غزة الصحافي عماد الدريملي، الذي قال ل «الحياة» إنه تلقى قبل منتصف ليل الخميس - الجمعة «اتصالاً هاتفياً من شخص مجهول رقم خاص ادعى أنه من كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس». وأضاف أن المتصل هدده ب «قطع» لسانه «الطويل»، و «تلفظ بألفاظ نابية بلهجة غاضبة وعنيفة»، من دون أن يذكر له «أسباب التهديد»، علماً أنه لم يأت على ذكر «كتائب القسام» لا من قريب ولا من بعيد. ومع ذلك قال المتحدث: «سنقطع لك لسانك، وإذا رأيناك في الشارع، سنقوم بتصفيتك وقتلك»، قبل أن يغلق الهاتف. وأشار الدريملي الى أنه أخذ التهديد على محمل الجد، لأن المتصل المجهول «تحدث بنبرة حادة وانتحل صفة فصيل أكن له شخصياً الاحترام والتقدير، ليس اليوم وليس أمس بل منذ نعومة أظفاري». ولفت إلى أنه معروف عنه استقلاليته وموضوعيته وبعده من التجاذبات السياسية. ودعا حكومة «حماس» إلى «التحرك العاجل والسريع وتحمل مسؤولياتها والتحقيق في الموضوع وكشف ملابساته، ومعاقبة المسؤول عنه». كما دعا «الإخوة في كتائب القسام إلى كشف اللثام عن هذا الشخص المجهول الذي انتحل اسمها وشخصيتها، في محاولة لتشويه مكانتها أمام المجتمع والصحافيين». وحض جميع الأطراف في المجتمع الفلسطيني إلى «اتباع أساليب أكثر نضجاً واحتراماً للصحافيين الذين قدموا وما زالوا يقدمون الغالي والنفيس خدمة لقضايا وطنهم وشعبهم». من جانبها، قالت القوى الوطنية والاسلامية في قطاع غزة إنها تقف الى جانب «خيار الشعب المصري» ولن تكون طرفاً في اي خلافات وتجاذبات مصرية داخلية، داعية السلطات المصرية الى عدم عكس اوضاعها على الوضع الانساني في قطاع غزة. وقال الناطق باسم حركة «فتح» الدكتور فايز ابو عيطة لوكالة «معا» إن القوى الوطنية والاسلامية اجتمعت امس في مقر «الجبهة العربية لتحرير فلسطين» بحضور ممثلين عن حركتي «فتح» و «حماس» لمناقشة الاوضاع السياسية، مؤكداً أن الفصائل ناقشت ايضاً الاحداث التي جرت في مصر وأكدت حرصها على استقرار الشعب المصري وأمنه وسلامته ووحدته، كما أكدت أهمية الاسراع في تنفيذ بنود اتفاق المصالحة في ظل التهديدات التي تهدد المنطقة.