استقل مواطن فلسطيني سيارة أجرة في غزة، وما أن جلس على مقعده حتى شاهد صورتيْن معلقتيْن داخلها، واحدة للرئيس الراحل ياسر عرفات، والثانية لرئيس الحكومة التي تقودها حركة «حماس» في غزة اسماعيل هنية. اندهش المواطن وسأل السائق عن سبب تعليق الصورتيْن، فأجابه: «الرئيس عرفات هو رئيسنا وزعيمنا الذي استشهد بعدما قال لا لإسرائيل». فسأله المواطن عن صورة هنية، فقال: «هذا شريكي في السيارة»، في إشارة ساخرة إلى حجم الضرائب والرسوم التي تجبيها الحكومة من السيارات وغيرها. هذه أحدث نكتة يتداولها حالياً «الغزيون» على نطاق واسع تعبيراً عن الأوضاع التي يعيشونها في قطاع غزة، وبهدف السخرية من الضرائب والرسوم المختلفة التي تفرضها حكومة هنية على المواطنين وأثقلت كاهلهم. ويتداول «الغزيون» نكاتاً أخرى عن أزمة الكهرباء والوقود والمياه وغيرها، فيما تحفل شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصا «فايسبوك» بالسخرية والنقد الشديد للحكومتين في الضفة وغزة وللرئيس محمود عباس وحركتي «فتح» و«حماس»، كما تحفل بأسئلة استنكارية تتناول قدرة «الغزيين» على احتمال كل هذه الضغوط المالية والمعيشية في ظل الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وأزمة وقود السيارات، وسوء خدمات الهاتف والإنترنت وارتفاع أسعارهما، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى والخضراوات والفاكهة. وتكاد صورة الأوضاع المعيشية في قطاع غزة تتطابق مع ظلمة ليلة من شتاء بارد انهمر خلالها مطر غزير وأرعدت السماء، فاختلط صوت الرعد بصوت انفجارات الصواريخ المنهمرة من طائرات مقاتلة إسرائيلية من صنع أميركي تحوم كغربان سوداء في سماء مكفهرة بالقهر والظلم والخوف والبرد القارس. وبعد ليلة باردة جداً، أفاق «الغزيون» على أنباء تفيد بعدم توريد الوقود المصري اللازم لتشغيل محطة الطاقة الكهربائية الوحيدة في القطاع. وظلّت توربينات المحطة الثلاثة التي من المفترض أن تعمل وتولد نحو 80 ميغاواط باردة تماماً كأجساد مليون ونصف المليون مواطن انقطعت عنهم سبل التدفئة والإنارة والعيش الكريم. وعلمت «الحياة» أن «معضلة» توريد الوقود المصري أصبحت عقدة في منشار الحل بعدما أصرت مصر على توريد الوقود عبر معبر كرم أبو سالم جنوب المنطقة الفلسطينية - الاسرائيلية المشتركة، فيما تصر حكومة «حماس» وسلطة الطاقة التابعة لها على توريده عبر معبر رفح الحدودي. وتعتبر الحكومة والسلطة أن تهريب الوقود عبر الأنفاق لا يفي بالغرض والحاجة. وقالت مصادر ل «الحياة» إن إصرار مصر على إدخال الوقود عبر كرم أبو سالم نابع من رغبتها في بيع الوقود لحكومة «حماس» بطرق رسمية وشرعية بدلاً من التهريب عبر الأنفاق. وأضافت أن مصر ترغب ببيع الوقود بأسعار هي في الحقيقة أعلى من سعر المهرّب عبر الأنفاق لسبب بسيط هو أن الوقود المهرّب عبارة عن وقود تدعم الحكومة أسعاره بمئات ملايين الدولارات سنوياً من أجل توفيره للشعب المصري بسعر أرخص من الدول العربية، خصوصاً المجاورة. ويتساءل مسؤولون في الحكومة والحركة: وما المانع من أن تورد مصر الوقود الى القطاع عبر معبر رفح بالأسعار نفسها في مصر؟ ويرد المسؤولون المصريون بأن حكومة «حماس» تفرض ضرائب على الوقود بنحو 150 في المئة، ومن غير المقبول أن تسمح مصر بتوريد وقود بأسعار رخيصة من حصة الشعب المصري، فيما تجبي حكومة «حماس» الضرائب عليه، في وقت هناك أزمة وقود خانقة في مصر، خصوصاً في صحراء سيناء نظراً لأن الوقود المهرّب الى غزة مخصص أصلاً لسكان سيناء. في هذه الأثناء، وجه خبراء اقتصاديون ورجال أعمال وأكاديميون وحقوقيون وصحافيون وممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني خلال ورشة عمل نظمتها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ليل السبت - الأحد بعنوان «الوضع المعيشي في قطاع غزة»، انتقادات لاذعة الى حكومة «حماس» بسبب أزمات الكهرباء والخدمات وفرض ضرائب ورسوم جمركية جديدة على السلع والبضائع، معتبرين ان ذلك «غير قانوني»، وداعين الى «حماية المنتج الوطني».