تتعرّض مسيرة التسوية السلمية للقضية الكردية في تركيا، إلى أهم وأضخم تهديد لها، منذ إعلان الزعيم المعتقل ل «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان إبرام اتفاق مع حكومة حزب «العدالة والتنمية»، وإعلانه التخلي عن العمل المسلح وبدء سحب مسلحي حزبه إلى شمال العراق. فعلى الأرض يسود توتر منذ نحو أسبوع، عَكَسَه مقتل متظاهر كردي برصاص الدرك، وخطف مجهولين مجنّداً تركياً يُعتقد بأنهم يتبعون «الكردستاني»، فيما تكشف تصريحات سياسية للجانبين أزمة ثقة وهوة عميقة بين تطلعات كلّ منهما. وتتهم حكومة رجب طيب أردوغان جناحاً داخل «الكردستاني» بالسعي إلى إفشال العملية السلمية، من خلال اختلاق أزمات. ولاحت الأزمة الأسبوع الماضي، لدى إعلان أوجلان في رسالة خطية، بدء المرحلة الثانية من خطة السلام، والتي تتطلّب من الحكومة تطبيق إصلاحات سياسية ديموقراطية لتسوية القضية الكردية. وردّت الحكومة على إعلان أوجلان، بأنها ستطرح تعديلات دستورية، ولكن لن يُصوّت عليها في البرلمان إلا في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، أي بعد إكمال سحب جميع مسلحي «الكردستاني» من تركيا، في أيلول (سبتمبر) المقبل كما هو مقرر في خطة السلام. ورأى أردوغان أن مسيرة التسوية ما زالت في مرحلتها الأولى، معتبراً أن 15 في المئة فقط من مسلحي «الكردستاني» غادروا الأراضي التركية. لكن «حزب السلام والديموقراطية» الكردي اعتبر هذا التصريح «محاولة للتسويف والتهرّب» من الاستحقاقات المترتبة على الحكومة، والمُتفَق عليها مع أوجلان في سجنه. وفيما السجال دائر حول موعد إقرار الإصلاحات وسير انسحاب مسلحي «الكردستاني»، فاجأت مجموعة من الحزب الجميع بتصوير تدريبات لها في شرناق، جنوب شرقي تركيا، لما ذكرت أنه «احتفال بتخريج أول دفعة» من الشرطة الكردية مستقبلاً. وظهر في الصور ملثمون يعملون بوصفهم قوات أمن في المنطقة، ويفتشون سيارات ويحققون مع مواطنين، ما أثار توتراً سياسياً، اضطُر «حزب السلام والديموقراطية» إلى التنديد بها ونفي علمه بالمجموعة، متهماً إياها بالتحريض على العنف. وفيما كان الجميع يبحث في أمر هذه المجموعة، نظمت مجموعة كردية أخرى تظاهرة حاشدة قرب دياربكر ذات الغالبية الكردية، احتجاجاً على بناء مخفر شرطة جديد في المنطقة. واشتبك المتظاهرون مع الدرك الذين اطلقوا النار عليهم، فقتلوا أحدهم. وسارع رئيس «حزب السلام والديموقراطية» صلاح الدين دميرطاش إلى اتهام الحكومة بالسعي إلى إفشال التسوية السلمية، مطالباً بتوقيف الضابط الذي اطلق النار وإجراء تحقيق عاجل في القضية. وانتقد تسريع الحكومة تشييد 134 مخفراً حدودياً وأمنياً في جنوب شرقي تركيا، منذ بدء انسحاب مسلحي «الكردستاني»، معتبراً أن هذا التوجه يثبت سوء نية. في المقابل، تحدث حسين شيليك، نائب رئيس حزب «العدالة والتنمية»، عن «جناح داخل الكردستاني يعمل على توتير الأوضاع على الأرض وتأليب الأكراد على الحكومة والتسوية السلمية»، وزاد: «لم يكن هناك أي داع للتظاهر ضد تشييد مخفر، إذ ما من تعهد بوقف بنائها، وهذا حق للدولة وعلى حزب السلام والديموقراطية والمواطنين الأكراد التنبّه إلى الجهة التي تحاول أن تفسد كل شي، وألا يساندوها». لكن التظاهرات تجددت واشتبك محتجون أكراد مع أجهزة الأمن في جنوب شرقي تركيا.