الأتراك كانوا يقرأون من اليمين إلى اليسار، إلى أن جاء كمال أتاتورك يطلب تغيير المسيرة والمسار. والأتراك كانوا يكتبون من اليمين الى اليسار، فوبخّهم أتاتورك بقوله لهم : «أنتم فقراء، اكتبوا من اليسار إلى اليمين لتصبحوا أغنياء». والحجاب كان اللباس الوطني للمرأة في تركيا ورمزاً لجمال الفتاة الشرقية، وهي بالحجاب الأبيض وردة بيضاء في الباقة البيضاء... إلى أن جاءها الربيع الأوروبي قبل أوانه، يجبرها على التعرية الاندماجية الاستسلامية الأوروبية. واللحية كانت زينة الرجال الأتراك في المحافل، قبل أن تلوح في الفضاء الشوارب الأتاتوركية الغليظة، تُجبرهم على التمكيج وحلق الحى والتشبّه بالنساء إرضاء لبنت الحان وشيخ البرلمان. والزنا كان حراماً في تركيا إلى أن قرأت النبأ. والنبأ كان يدلُّ على أن تغييراً كبيراً حدث في عاصمة، معالمها عثمانية المساجد والمآذن والمصاحف، يوم صوّت البرلمان في السادس من تشرين الأول (اكتوبر) عام 2004 بغالبية ساحقة للسماح بالزنا برضى الطرفين تحت عنوان الحريات الشخصية... وقس على ذلك كل ما يرضيهم ويمهد لهم الانضمام إلى ناديهم. نعم، كل حرام حلال، إن كان يُسهّل لتركيا المسلمة تأشيرة الانضمام إلى النادي الأوروبي. كل هذا لم يحرك في الشارع التركي ساكناً. فيا ترى ما الجديد اليوم في حديقة غازي، وميدان تقسيم وأنقرة؟ هل إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى؟ أم أنهم شبيبة استمتعوا بشاربَي أتاتورك، ويخشون رجب أردوغان، وعبدالله غول وأربكان. لم أستطع الحصول حتى الآن على ما يشفي غليل قلبي وقلمي من الإجابات الدقيقة لأسئلتي. إذا كان الجانب الاحتجاجي في الشوارع التركية قد فوجئ بالهراوات المفرطة من الشرطة، فإن الجانب الديبلوماسي في الدهاليز التركية مصدوم بما يحصل في بلد جعل الرومانسية وعطور الشهوة ثروة مثيرة لإبعاد الثورة وحصل العكس بانقلاب السحر على الساحر. إن تركيا لا تستطيع مهاجمة التظاهرات بالطائرات كما تفعله سورية، لأنها بهندام الديموقراطية الأوروبية ولو شكلياً، وإن لم تمنحها أوروبا الى الآن العضوية المفتوحة المرجوّة. وأردوغان يقول إن صبره قد نفد بمطالبته المحتجين مغادرة الحديقة، ومن جانب آخر يدعي انه لا يأبه بأميركا وأوروبا، وإن ما حصل في تركيا ليس بأقل مما حصل في اليونان . ومن جانب آخر يطمئن المحتجين بأنه استلم رسالتهم على غرار ما قاله زين العابدين بن علي قبيل رحيله : «لقد فهمت عليكم... لقد فهمت عليكم». لكن هذا التعهد يتعارض مع موقفه السابق الذي اتسم بالتحدي عندما هاجم المحتجين ووصفهم بأنهم «رعاع» وأصر على المضي قدماً في خطط البناء في المتنزه المتاخم لميدان تقسيم. تركيا العثمانية القرآنية الإيمانية، قد تعود الى أحضان القرآنية، إن تركناها بشعبها على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والفطرة تدعو إلى الإيمان مهما لوّثها الإلحاد وزعزعتها العلمنة، وهذا ما ثبت في معظم العواصم التي زرعت جينات الانحلال المتكاثر للشباب في الشباب، فأنجب الشباب الإيمان تلو الإيمان.