المحاولة الفاشلة لاغتيال الأمير محمد بن نايف، عافاه الله، أكدت كثيراً من الحقائق في ملف الإرهاب. أكدت الجريمة المفجعة أن الإرهاب يتعامل مع خصومه كافة بمسطرة انتقامية واحدة، فهو لا يفرق بين مسؤول عنيف ومسؤول لطيف. محمد بن نايف الذي اشتهر بدماثة خلقه وحسن تعامله ورقته ورزانته ورويته في التعامل مع ملف الإرهاب في السعودية، لم يشفع له كل ذلك في أن يكون منزّهاً عن محاولة اغتيال بشعة مثل تلك التي حدثت في ليلة جمعة من ليالي رمضان المقدسة. وهذه علامة أخرى أن الإرهابيين لا يكنون قداسة لمكان أو زمان، فإرهابهم يمكن أن يقع في رمضان، المقدس زماناً، ويمكن أن يقع في الحرم (المسجد)، المقدس مكاناً. ونحن إذ نستكثر أن يطأ الإرهاب هذه القيم والأخلاقيات التي يحافظ عليها الإنسان حتى في حربه مع العدو، ننسى أن الإرهاب حين يطأ القيمة الأهم وهي كرامة الإنسان المسلم فإنه من باب أولى ان يفعل ذلك مع ما سواها. * * * الإرهاب هو وليد التطرف، هذه حقيقة في العموم. لكن هناك إرهاباً يأتي من غير متطرفين... وهناك متطرفون يستنكرون الإرهاب الحربي، وان كانوا يزاولون الإرهاب الفكري! التطرف نزعة فكرية... والإرهاب نزعة عسكرية، وعليه فالتطرف لا يجب أن يحارب بالأدوات العسكرية الصارمة نفسها التي يجب محاربة الإرهاب بها. والذين يطالبون بضرب التطرف بيد من حديد يصنعون مزيداً من الإرهابيين. الإرهاب يجب أن يواجه بيد من حديد ونار، أما التطرف فيواجه بيد من قلم وورقة وتعليم وثقافة وارشاد ومناصحة. إذا كان الإرهابيون يُعدّون بالعشرات فالمتطرفون يُعدّون بالآلاف، وإذا كان يمكن ضرب العشرات بالحديد والنار، فلا يمكن ضرب الآلاف أو الملايين بذلك! * * * كلما وقعت عملية إرهابية ومستفزة كتلك، نستذكر الفروقات بين النموذج الأميركي والنموذج البريطاني... بين الثور الهائج في أعقاب 11 ايلول (سبتمبر)، والحكيم الغاضب في أعقاب 7 تموز (يوليو). ولحسن الحظ ان الذين يمسكون بملف الأمن ومواجهة الإرهاب في بلادي، وعلى رأسهم الأمير نايف بن عبدالعزيز، لم يصدّهم غضبهم عن حكمتهم، فأكدوا أن المناصحة ستستمر والأبواب المفتوحة ستستمر... ولكن مواجهة الإرهاب أيضاً ستستمر. هكذا تستمر الحكمة السعودية المعهودة في التعامل مع الأحداث، من دون أن تستجيب لاستفزازات أيّ من الأطراف غير السوية. إنه: النموذج السعودي. * كاتب سعودي. [email protected]